للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فواقع التعامل قديمًا وحديثًا سواء كان على مستوى الحكومات، أم على مستوى الشركات والمؤسسات، أم على مستوى الأفراد لا يدفع فيه الثمن، وقد يدفع جزء منه حالة العقد، والباقي على أقساط كما في استصناع المباني، وقد يؤخر الثمن حتى تسلم السلعة المطلوب صناعتها.

ومما يؤيد ترجيح هذا الرأي النظر إلى سبل الاحتيال في الحصول على الأموال، وتعدد طرق الغش الذي نشأ عن هبوط القيم والأخلاق نتيجة للاحتكاك مع مجتمعات لا هم لها إلا الحصول على المال بأي وسيلة من الوسائل، وتحت ستار أي عقد من العقود ولا شك أن عدم دفع الثمن عند العقد فيه حماية للمستصنع كما أنه سبب لإتقان الصانع صنعته، وحرصه الشديد على مطابقتها للمواصفات والمقاييس مطابقة تامة بعيدة عن الغش والاحتيال. أما لو دفع الثمن أو جزء كبير منه فقد يكون ذلك سببًا من أسباب الضغط على المستصنع في تسلم المصنوع ولو خالف شروطه، لاسيما إذا لاحظنا ما يترتب على عدم التسلم من رفع الدعوى على الصانع، وأجور المحاماة، وما يسببه ذلك من حرج ومشقة، وكثيرًا ما تتبدل الحكومات التي طلب الصنع منها أو في عهدها فيؤثر ذلك على التجارة فكم صودرت أموال لأفراد كانوا يتعاملون مع آخرين في ظل حكومة معينة فلما تغيرت تلك الحكومة صودرت تلك الممتلكات، بل إن الأمر يصل إلى أبعد من ذلك حيث إن سياسة الحكومات تتغير حسب مصالحها وكم عاصرنا وسمعنا عن أموال تحتجز بعد شحنها في السفن أو الطائرات لأن تلك الدولة المصدرة تغيرت سياستها أو مصالحها مع الدولة الطالبة.

وعليه فإن حاجة التجار وطالبي المصنوعات ومن يحتاجون إلى استصناع المباني والعمارات والمواد الغذائية والملابس والأدوات الحربية.. إلخ ما يحتاجه الناس في استعمالاتهم المشروعة يؤيد القول بجواز الاستصناع سواء دفع رأس المال أو دفع جزء منه أو لم يدفع منه شيء وهذا القول مؤيد إضافة إلى ما سبق ذكره بمقاصد الشارع في المعاملات وما اشتملت عليه الشريعة الإسلامية من قواعد كلية لدفع الضرر وجلب المصالح وإنزال الحاجة العامة أو الخاصة منزلة الضرورة.

وبعد هذا العرض والترجيح أقول إن دفع رأس المال في المجلس أحوط وأسلم خروجًا من الخلاف، وقد يرتفع بطلب المستصنع بعض الضمانات لتوثقة ماله كالرهن، والضامن، والكفيل أو يلجأ إلى الضمانات البنكية المعروفة.. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>