للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* المطلب الثاني: الشروط الخاصة بالاستصناع عند الحنفية:

ذكرت فيما سبق أن الجمهور يرون أن عقد الاستصناع قسم من أقسام السلم، ولذلك يعتبر شروط السلم شروطًا له، وأن الحنفية هم الذين يفرقون بينهما، ويرون لكل حقيقته، وشروطه، وإليك بيان شروط الاستصناع عندهم:

١- العلم بالمصنوع، وذلك ببيان جنسه، ونوعه، وقدره، وصفته، لأنه لا يصير معلومًا بدون ذلك (١) ، وعليه يجب بيان كل ما يؤثر في الثمن والرغبات بيانًا يحول دون النزاع حين التسليم (٢)

أن يكون المستصنع مما يجري فيه التعامل بين الناس من أواني الحديد، والنحاس، والرصاص، والزجاج، والخفاف، والسلاح، ونحو ذلك.

ولا يجوز في الثياب، لأن القياس يأبى جوازه، وإنما جاز استحسانًا لتعامل الناس، ولا تعامل لهم في الثياب، فيثبت جوازه فيما لهم فيه تعامل ويبقى ما عداه موكولًا إلى القياس، فإن حصل فيما ليس للناس فيه تعامل كان سلما، واشترطت له شروط السلم من قبض الثمن، وذكر الأجل.. إلخ (٣)

ومعلوم أنهم عللوا ذلك بتعامل الناس وما كان كذلك يتغير بتغير التعامل فمعلوم أن الأحكام التي تبنى على العرف تتغير بتغيره كالحرز والنفقة، تتغير حسب العرف، وقد اتضح لك فيما سبق أنهم ذكروا الأشياء التي يصح فيها التعامل على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر، فإذا جرى التعامل بشيء آخر لم يكن يتعامل ثبت له الحكم، وكذلك لو تغير العرف وتعامل الناس بما لم يكن فيه تعامل كاستصناع الثياب في عصرنا الحاضر، وغيرها كالطائرات والسيارات، وأدوات الإنارة، والمعامل التحليلية، والمصانع، والسفن، وآلات الكتابة والتصوير إلى آخر ما توصلت إليه العقول البشرية كسفن الفضاء، والأقمار الصناعية يجوز استصناعها إذا أمكن ضبطها على وجه تنتفي المنازعة معه فكما هو معلوم أن الأشياء التي يجيزها الشارع في الجملة ولم يكن فيه ولا في لغة العرب ما يحددها يرجع في تحديدها إلى العرف وتتغير بتغيره والله أعلم.


(١) الكاساني، بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٨، وابن عابدين، حاشية رد المحتار: ٥/٢٢٣٥، ونظام الدين وجماعة، الفتاوى الهندية: ٣/٢٠٧
(٢) عبد السميع المصري، التجارة في الإسلام: ص٨٨
(٣) السيواسي، فتح القدير: ٥/٣٥٣، ونظام الدين وجماعة، الفتاوى الهندية: ٣/٢٠٧، والسنهوري، مصادر الحق: ٣/٣٨، ٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>