للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيد شرط الصنعة يجعل العقد موافقًا للمعنى اللغوي، ولذلك لما ذكر الإمام السرخسي صورة الاستصناع قال في مبسوطه: (استصنع الرجل خفين أو قلنسوة، أو طستا، أو كوزًا، أو آنية من النحاس) (١) .

وبالمعنى نفسه قال الكاساني في بدائع الصنائع: (لو قال إنسان لصانع من خفاف أو صفار أو غيرهما: اعمل لي خفًّا، أو آنية من أديم، أو نحاس من عندك بثمن كذا ويبين نوع ما يعمل وقدره وصفته.. فيقول الصانع: نعم) . وبمثل هذا قال البابرتي (٢) .

فالاستصناع - كما مر بنا لغة - طلب الصنعة، ويلاحظ أن المواد المذكورة، والصناعات المطلوبة تتلاءم مع عصر المعرفين، وإلا فالمعنى يتسع لكل مستحدثات العصور، مادة وصنعة.

وإذا لم يعتبر شرط الصنعة في التعريف، على افتراض أنه لو تعاقد على مبيع في الذمة، وأحضر الصانع عينًا، كان قد صنعها من قبل، ورضي بها المستصنع فإن بعض الفقهاء - كما سيأتي - يرى أن العقد صحيح، ولكن تم بطريق آخر غير الطريق الأول وهو طريق التعاطي.

وهذا ما رجحه الكاساني بقوله: (والصحيح هو القول بأنه عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل) لأن الاستصناع: طلب الصنع، فما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعًا. فكان مأخذ الاسم دليلًا عليه.

ولأن العقد على مبيع في الذمة يسمى سلمًا.. وهذا العقد يسمى استصناعًا، واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل.. وأما إذا أتى الصانع بعين صنعها قبل العقد، ورضي بها المستصنع فإنما جاز لا بالعقد الأول، بل بعقد آخر وهو التعاطي بتراضيهما (٣) .


(١) المبسوط: ١٢/١٣٨
(٢) العناية على الهداية: ٥/٣٥٤
(٣) انظر بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٧

<<  <  ج: ص:  >  >>