للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي دعا هؤلاء إلى القول بأنه مواعدة ما يلي:

أولًا أن الصانع له أن لا يعمل.. وبذلك كان ارتباطه مع المستصنع هو ارتباط وعد لا عقد.. لأن كل ما لا يلزم الإنسان به مع التزام نفسه يكون وعدًا لاعقدًا، لأن الصانع لا يجبر على العمل بخلاف السلم فإنه مجبر بما التزم به (١)

ثانيًا: أن المستصنع له الحق في عدم تقبل ما يأتي له الصانع من مصنوع، وله أن يرجع عما استصنعه قبل تمامه ورؤيته.. وهذا علامة أنه وعد لا عقد.. لهذا قال أبو اليسر: (إن الخيار ثابت لكل واحد منهما (الصانع والمستصنع) (٢)

وبهذين الدليلين يرى أصحاب هذا القول بالمواعدة أن الاستصناع وعد بالبيع لا عقد مبيع.

ولم ينس هؤلاء أن يردوا على الجمهور قولهم بأنه يكون مبيعًا فقالوا: المعدوم لا يصلح أن يكون مبيعًا.

وقالوا كذلك: العقود في المعاملات لا يبطلها موت أحد طرفيها. فكيف ساغ القول بأنه عقد مع بطلانه بموت الصانع؟

فهذه أدلة القائلين بالمواعدة واعتراضاتهم، وقد تناولها القائلون بأنه عقد فردوا عليها، ثم قدموا أدلتهم، على النحو التالي:

أولًا: ما قاله أبو اليسر - بأن إثبات الخيار لكل من الصانع والمستصنع يدل على أنه وعد - غير صحيح، فهو لا يدل على أنه غير بيع، ألا ترى أن في بيع المقايضة لو لم ير كل من العاقدين عين الآخر كان لكل منهما الخيار، فلم يخرجه إلى أن يكون وعدًا.

ثانيًا: القول بأنه وعد لأن الصانع له أن لا يعمل، وللمستصنع الخيار في أن لا يقبل الشيء المصنوع، كل ذلك وارد في غير عقد الاستصناع. فالاستصناع لا يعتبر عقدًا نافذًا ملزمًا إلا ساعة أن يتم الصانع ما طلب منه وفق المواصفات التي اشترطها المستصنع.. ورأى المستصنع ذلك الشيء بعينه ورضي.. عند ذلك يتم الاستصناع فلا خيار لواحد منهما فأما ما ذكر فهو وارد على أمور أخرى غير الاستصناع. (٣)


(١) انظر عقد الاستصناع: ص٨٠.
(٢) فتح القدير: ٥/٣٥٥.
(٣) انظر فتح القدير: ٥/٣٥٥، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام: ١/١٩٨، وعقد الاستصناع: ص٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>