للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: والقول بأن المعدوم لا يصلح أن يكون بيعًا، فإن المعدوم قد يعتبر موجودًا حكمًا كالناسي للتسمية عند الذبح، فإن التسمية جعلت موجودة لعذر النسيان، والطهارة للمستحاضة جعلت موجودة لعذر جواز الصلوات لئلا تتضاعف الواجبات. فكذلك المستصنع فيه المعدوم جعل موجودًا حكمًا للتعامل الجاري بين الناس.

فإذا قيل: إن هذا إنما يصح أن لو كان المعقود عليه هو العين المستصنع، والمعقود عليه هو الصنع في الاستصناع، وليس هو العين.

فإن الجواب قاله صاحب الهداية (١) : (إن المعقود عليه هو العين دون العمل، حتى لو جاء به مفروغًا لا من صنعته، أو من صنعته، قبل العقد، فأخذه جاز) .

رابعًا: والقول بأنه يبطل بموت الصانع، والعقود في المعاملات لا يبطلها موت أحد طرفيها، فإن الجواب عن ذلك: بأن الاستصناع إنما يبطل بموت الصانع لشبهه بالإجارة. فهو لهذا الشبه قلنا بأنه يبطل بموت الصانع، وهذا لا يمنع أن يكون عقدًا (٢) . وهذا إذا كان الصانع فردًا، أما إذا كان مصنعًا، أو مؤسسة، فلا وجه لهذا.

خامسًا: من الأدلة على أن الاستصناع عقد أن الصانع يملك الدراهم بقبضها، وما دام يقبضها فهو عقد.. لأن المواعدة على شيء لا يملك الدراهم بقبضها، وبالاستصناع يملكها ملكًا غير لازم عند جمهور فقهاء الحنفية (٣)

سادسا: ومن الأدلة - كذلك - أنه قد أجريت في الاستصناع القياس والاستحسان.. ونحن نعرف أن الوعد لا يحتاج إلى إثبات الاستدلال به إلى إجراء القياس والاستحسان.. فقد ثبت العمل بالوعد بالنص (٤) والإجماع.

سابعًا: ومن الأدلة - كذلك - أن الاستصناع يثبت فيه خيار الرؤية، والوعد لا يحتاج إلى إثبات الخيار (٥)

ثامنًا: ومن الأدلة - كذلك - أن الاستصناع يجري فيه التقاضي.. والتقاضي إنما يثبت في الواجب بالعقود لا بالوعود.. فإذا ما وعد شخص آخر لا يؤدي عدم الوفاء بذلك الذهاب للقضاء، وإقامة الدعوى، وإنما الذي يكون كذلك فيما هو واجب بالعقد بينهما (٦)

تاسعًا: أن الصانع في الاستصناع يجبر على عمله، والمواعد على الشيء لا يجبر على ما وعد به إلا من باب الوفاء بالوعد - إن استطاع ذلك - أما الذي تعاقد في الاستصناع فإنه يجبر على صنع ما تعاقد عليه فإن لم يستطع يمكن أن يطلب من صانع آخر أن يتم عمله (٧) .


(١) انظر الهداية: ٥/٣٥٥
(٢) الفتاوى الغياثية: ص١٥١
(٣) انظر حاشية الطحاوي: ٣/١٢٦، وفتح القدير: ٥/٣٥٥
(٤) كما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".
(٥) انظر بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٧، والمبسوط: ١٢/١٣٨
(٦) انظر بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٧، والمبسوط: ١٢/١٣٨
(٧) انظر درر الحكام: ٢/١٩٨، وانظر عقد الاستصناع: ص٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>