للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل هو عقد بيع ما ليس عنده؟

وإذا توصلنا إلى اعتبار " الاستصناع " عقد بيع، وليس بوعد، بقي أن نناقش علاقة الاستصناع ببيع ما ليس عند المرء. وتعود هذه المسألة إلى أن المال المستصنع ليس موجودًا بصفته المطلوبة وقت التعاقد.

فهل يجري على الاستصناع بهذا المعنى ما ورد في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق، ثم أبيعه؟ قال: "لا تبع ما ليس عندك".

وفي لفظ آخر عن حكيم بن حزام قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي (١)

والصورة المذكورة في حديث حكيم هي أن يبيع المرء للناس أشياء لا يملكها، ويأخذ الثمن منهم، ثم يذهب إلى السوق ليشتري هذه الأشياء.

ولا يخفى ما في هذه الصورة من المخاطرة والغرر، فقد لا يجد الشيء المراد في السوق ولذلك يقول شمس الدين بن قدامة: (لا يجوز بيع ما لا يملكه ليمضي فيشتريه ويسلمه، رواية واحدة، وهو قول الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا (٢)

فالنهي عن بيع ما ليس عند الإنسان يرتبط بالغرر والجهالة، وهذا يؤدي إلى المنازعة بين الناس، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيوع التي تحقق فيها هذا الغرر، فروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الغرر) .

والغرر ما انطوى عنه أمره، وخفيت عليه عاقبته.


(١) انظر عارضة الأحوذي بشرح الترمذي: ٥/٢٤١، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
(٢) الشرح الكبير مع المغني: ٤/١٩

<<  <  ج: ص:  >  >>