للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلم:

قال أهل اللغة: السلف والسلم، وأسلم وسلم، وأسلف وسلف.

وقال الماوردي: إن "السلف" لغة أهل العراق، و "السلم" لغة أهل الحجاز (١)

وقال القرطبي في تفسيره: حد علماؤنا - رحمة الله عليهم - فقالوا: هو بيع معلوم في الذمة، محصور بالصفة، بعين حاضرة، أو ما هو في حكمها، إلى أجل معلوم (٢)

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون الثمار: السنة والسنتين، فقال: ((من أسلف في ثمر، فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) (٣)

فالسلم من البيوع الجائزة بالاتفاق، مستثنى من نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما ليس عندك، وأرخص في السلم، لأن السلم لما كان بيع معلوم في الذمة، كان بيع غائب تدعو إليه ضرورة كل واحد من المتابعين؛ فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري الثمرة، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليها، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه الفقهاء بيع المحاويج، فلو جاز حالًا بطلت هذه الحكمة وارتفعت هذه المصلحة، ولم يكن لاستثنائه من بيع ما ليس عندك فائدة.

فحكم السلم - إذن - الجواز، ودليل ذلك الكتاب والسنة والإجماع.

فأما الكتاب فهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الآية.

قال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السلم خاصة.

وقال ابن قدامة بعد ذكر هذه الآية: وروى سعيد بإسناده عن ابن عباس أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أصله الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ هذه الآية.

وأما السنة، فقد ذكرنا منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "من أسلف...." وهو حديث متفق عليه.

وروى البخاري عن محمد بن أبي المجالد قال: أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى، فسألتهما عن السلف، فقالا: نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة، والشعير، والزيت، فقلت: أكان لهم زرع، أم لم يكن لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك.

وأما الإجماع، فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن السلم جائز، ولأن المثمن في البيع أحد عوض العقد، فجاز أن يثبت في الذمة كالثمن، ولأن بالناس حاجة إليه، لأن أرباب الزرع، والثمار، والتجارات، يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل، وقد تعوزهم النفقة، فجوز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم بالاسترخاص (٤)


(١) انظر السراج الوهاج: ٦/٩٢
(٢) انظر مواهب الجليل: ٣/٣٤٢
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي: ١١/٤١
(٤) انظر مواهب الجليل: ٣/٣٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>