للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وحكمة مشروعيتها التعاون ودفع الحاجات، وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (١)

قال سليمان الجمل في حاشيته على الجلالين: أي ليستعمل بعضهم بعضًا في حوائجهم، فيحصل بينهم تآلف وتضام، وينتظم بذلك نظام العالم، لا لكمال في الموسع عليه، ولا لنقص في المقتر عليه، قال: وعبارة الخطيب: ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًّا) ، فيسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل، فيكون بعضهم سببًا لمعاش بعض، هذا بماله، وهذا بأعماله، فليتئم قوام العالم، لأن المقادير لو تساوت لتعطلت المعايش (٢)

وقال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (٣)

قال: فيه دليل على صحة جواز الإجارة، وهي سنة الأنبياء والأولياء.

وفي السنن الكبرى للبيهقي باب جواز الإجارة، قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (٤)

فأجاز الإجارة على الرضاع.

وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (٥)

قال الشافعي: فذكر الله أن نبيًّا من أنبيائه آجر نفسه حججًا مسماة ملك بها بضع امرأة، فدل ذلك على تجويز الإجارة.

وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الدِّيل، هاديًا خريتًا، وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال) ، هذا لفظ البغوي، والحديث في صحيح البخاري باب: استئجار المشركين عند الضرورة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم)) ، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعى على قراريط لأهل مكة " أخرجه البخاري في صحيحه في أول الإجارة.

ودليل الإجارة كالبيع، ما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: باب لا تجوز الإجارة حتى تكون معلومة، وتكون الأجرة معلومة استدلالًا بما روينا في كتاب البيوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر، والإجارات صنف من البيوع، والجهالة فيها غرر، ثم ساق سندًا إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يساوم الرجل على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تناجشوا، ولا تبايعوا بإلقاء الحجر، ومن استأجر أجيرًا فليعلمه أجره)) .


(١) سورة الزخرف: الآية ٣٢
(٢) انظر مواهب الجليل: ٤/١٢١
(٣) سورة الكهف: الآية ٧٧
(٤) سورة الطلاق: الآية٦.
(٥) سورة القصص: الآية ٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>