للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ورواه حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير، يعني حتى يبين له أجره.

واستشهد ابن قدامة في المغني بهذا الحديث - كذلك - فقال: يشترط في عوض الإجارة كونه معلومًا، لا نعلم في ذلك خوفًا، وذلك لأنه عوض في عقد معاوضة، فوجب أن يكون معلومًا كالثمن في البيع، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره)) .

وفي المقدمات لابن رشد: لا تجوز الإجارة إلا بأجرة مسماة، معلومة، وأجل معروف، أو ما يقوم مقام الأجل من المسافة فيما يحمل، أو توقيت العمل فيما يستعمل، وعمل موصوف، أو عرف في العمل والخدمة، يدخل عليه المتاجرون فيقوم ذلك مقام الصفة، يدل على ذلك قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] .

قال: فسمى الأجرة وضرب الأجل، ولم يصف الخدمة والعمل، لأن العرف والعادة أغنياهما عن ذلك.

قال: وقال صلى الله عليه وسلم: ((من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره)) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من استأجر أجيرًا فليؤجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم)) . فأمر بتسمية الأجر، وضرب الأجل، وسكت عن وصف العمل، إذ قد يستغنى عن ذلك بالعرف والعادة اللذين يقومان مقامه.

وأما ما روي في السنن الكبرى عن عوف بن مالك وإعراض أصحابه عن الأكل من أجرته، فذلك لكون الأجرة كانت مجهولة.

فعن عوف بن مالك قال: غزونا وعلينا عمرو بن العاص، وفينا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فأصابتنا مخمصة شديدة، فانطلقت ألتمس المعيشة، فألفيت قومًا يريدون أن ينحروا جزورًا لهم، فقلت: إن شئت كفيتكم نحرها وعملها، وأعطوني منها. ففعلت، فأعطوني منها شيئًا، فصنعته ثم أتيت عمر بن الخطاب فسألني من أين هو؟ فأخبرته، فقال: أسمعك تعجلت أجرك، وأبي أن يأكله، ثم أتيت أبا عبيدة فأخبرته، فقال لي مثلها، وأبى أن يأكله، فلما رأيت ذلك تركتها، قال: ثم أبردوني في فتح لنا فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صاحب الجزور"؟ ولم يرد عليَّ شيئًا، وفي حديث سعيد: لم يزدني على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>