للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البيهقي: "وفي هذا أن الأجرة كانت مجهولة، وفي الذمة معلقة بعين (١)

ولا يفوتنا في هذه الرواية أن ننوه بما كان عليه الصحابة، رضوان الله عليهم من تحري الحلال حتى في المخمصة، وأن المجتهد يجد من أصحابه من يقوم اجتهاده. ويصير إلى ما أجمع عليه أصحابه، فعوف اجتهد وأخْذِه الأجرة على أنها حلال، ورأى أصحابه غير ذلك مع حاجتهم إلى الطعام وأبوا أن يأكلوا، وامتنع هو كذلك معهم، ولما أرسلوه بفتح فتحه الله عليهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكره بما كان منه بقوله: "صاحب الجزور؟ ".

ومن آداب الإجارة ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) . [رواه ابن ماجه في كتاب الرهون] (٢)

قال البوصيري في مصباح الزجاجة: (أصله في صحيح البخاري وغيره - ويقصد بهذا رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره)) (٣) - يقول: لكن إسناد ابن ماجه ضعيف، وهب بن سعيد وعبد الرحمن بن زيد ضعيفان، وذكره البغوي في المصابيح في قسم الإحسان (٤)

والإجارة في مبحثنا - هذا - تنصرف إلى الإجارة على الصنع، وقد عرفها السرخسي بقوله: إن الاستئجار لصناعة هو: بيع عمل، العين فيه تبع (٥)

وفرق بين الاستصناع والاستئجار للصناعة بقوله: (إذا أسلم حديدًا إلى حداد ليصنعه إناء مسمى، بأجر مسمى، فإنه جائز ولا خيار فيه إذا كان مثل ما سمى، لأن ثبوت الخيار للفسخ ليعود إليه رأس ماله فيندفع الضرر به. وذلك لا يتأتى هنا، فإنه بعد اتصال عمله بالحديد لا وجه لفسخ العقد فيه.

فأما في الاستصناع: المعقود عليه العين، وفسخ العقد فيه ممكن، فلهذا أثبت خيار الرؤية فيه، ولأن الحداد - هناك - في مثال الحداد المستأجر للصنع، يلتزم العمل بالعقد في ذمته، ولا يثبت خيار الرؤية فيما يكون محله الذمة كالمسلم فيه) (٦)


(١) انظر مواهب الجليل: ٤/١٢٣
(٢) باب (٤) إجارة الأجير على طعام بطنه، حديث رقم ٣٤٤٣: ٢/٨١٧
(٣) صحيح البخاري بحاشية السندي: ٢/٢٣، باب إثم من منع أجر الأجير من كتاب الإجارة
(٤) انظر سبل السلام: ٣/١٧٢ و ١٧٣
(٥) المبسوط: ١٥/٨٤، وانظر عقد الاستصناع: ص١٣٢
(٦) المبسوط: ١٥/٨٥

<<  <  ج: ص:  >  >>