للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قارنت بين الأمرين، بين هذه الصورة التي أجيزت استحسانا ودليلها تعامل أهل المدينة، وبين ما قاله الحنفية هنا: من أن ذلك جرى التعامل عليه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، ثم بينت أن التعامل هذا الذي يعتبر عرفا وإجماعا فعليًّا، يمكن أن يكون أصلًا للقول بعقد الاستصناع، إلى هنا نسطيع أن نقول: إن الحنفية دائما حينما يكون هناك إجماع عملي نجد أنهم يخضعون أو يأخذون بالاستحسان في مثل ذلك - ولذلك جاءوا في الشروط حينما يشترط الإنسان شرطا ويكون هذا الشرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه وفيه منفعة لأحد المتعاقدين - وقد كان القياس هو ألا يصح هذا الشرط، ولكن ما تعامل الناس به أجازوه، فقالوا: إذا اشترى نعلًا على أن يحذوه البائع أو جرابا على أن يخرز له خفًّا أو ينعل خفه أو قلنسوة على أن يبطن له البائع من عنده قالوا: إن ذلك يجوز استحسانا لأن الناس قد تعارفوا هذا النوع من الشرط، وتعاملوا فيه فيجوز استحسانا التعامل به، والتعامل قاض على القياس، لأن التعامل إجماع فعلي والثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، والعرف يترك به القياس.

إذن إلى هنا نستطيع أن نقول إن القول بمشروعية عقد الاستصناع دليله بجانب الأدلة التي ذكروها أن التعامل جرى عليه وقد رأينا ما صرح به المذهب المالكي في الصورة التي ذكرها، وإن كانت لا تتفق مع الاستصناع من كل وجه، ولكن من حيث إنه شيء غير موجود قد يكون غير موجود في الوقت الحالي، وأنه سيوجد وقد يتأخر الشروع أياما مع أن الثمن مؤخر في هذه الصورة إلى العطاء، لكن صورة الاستصناع معنا قد يكون الثمن حالًّا أو قد يكون مجزءًا وقد يكون متأخرًا. هذا من ناحية.

الناحية الثانية: لما نظرنا إلى موضوع العقد، موضوع العقد هو الخلاف الموجود هل هو العمل أو العين التي يرد عليها العقد؟ طبعا العمل غير موجود وكذلك العين غير موجودة، ووجد خلاف في المذهب كما قرره الأخ الدكتور علي، يعني الآن المعقود عليه غير موجود قطعا، والميل إلى جعله متعلقا بالعين أولى من تعلقه بالعمل، لأننا نحن الآن أمام بيع والبيع يحتاج إلى ألا نلجأ إلى العمل لأن العمل سوف يكون إجارة، لكن البيع يكون متعلقا بالعين، فيرد العقد على العين. صحيح أن العين هي المصنعة، فهذا أمر مضاف إليها لكن العين هي التي يرد عليها العقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>