للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

ما تفضل به السادة العلماء الذين تقدموني فتح أبوابًا كثيرة، وكانت بحوثًا معمقة بلغت بطون الكتب المطبوعة والمخطوطة فجزاهم الله خيرًا على ما بذلوه وكانت الأمثلة التي ضربوها أمثلة تجعل كل واحد منا يحس بالقضية وبالموضوع، وأنا أبدأ من هنا ثم أذهب فورًا إلى التاريخ.

ما قيمة الاستصناع في عصرنا الحاضر؟ ليس هو الصناعة وما أدخلتها على حياتنا فإن كل واحد منا في معظم حياته ليس في حاجة إلى الاستصناع، بل هو يذهب إلى المصنوعات فإذا بها معروضة في دور العرض موجودة يستطيع أن يشتريها، ولكن المشكلة أعمق من هذا عندما ننظر إلى بعض ظروف الإنسان والأمة، أما بعض ظروف الإنسان فكل واحد منا يريد أن يبني بيتًا لنفسه في حياته، فيتعاقد مع من يبني له هذا البيت، فما هو هذا العقد؟ هو يتفق معه على أن يبني له بيتًا له مواصفات محدودة ويسلمه له بعد مدة، ويتقاضى الثمن على مراحل، فهل هذا العقد عقد صحيح شرعًا أم عقد حرام؟

ثم أنتقل من هذه الحالة الفردية إلى أمر أقوى منه، وهو الأمة والدولة في قيامها على شؤون حياة العامة، ونبدأ مثلًا بأن الدولة تريد أن تجهز الجيش بالطائرات، فهي تتفق مع شركة من شركات الطيران أن تعد لها في كل سنة عشر طائرات من نوع محدد، لا تستطيع الدولة أن تدفع من اليوم الثمن على أنه عقد سلم، ولا تضمن للأمة سلامتها، إذا قلنا إنه عقد بخيار، فإذن القضية تصبح أكثر أهمية وأكثر خطورة، ومن ذلك ما تقوم به الدولة من مبان وغيرها، فإذن المشكلة أصبحت اليوم لها تأثير على الحياة الخاصة والعامة، غير التأثير الموجود من قبل، المشكلة التي واجهت الفقهاء ما هي؟ حتى نعلم لماذا – في ظني – لماذا اختلف الفقهاء؟ المشكلة هي مشكلة المخاطرة عند تعمير ذمتين، عندما يكون الصانع من ناحية قد التزم بشيء والمستصنع قد التزم بشيء، هذا لم يدفع شيئا وهذا لم يدفع شيئا، والشريعة منتظمة لا خلاف فيها، وجعلوا من قواعد التشريع تعمير الذمتين أنه غير جائز، فلما جاءت قضية الاستصناع أدخله من أدخله تحت عقد السلم باعتبار أنه فرغ ذمة وهي ذمة المستصنع بأنه دفع المال، وبقيت ذمة واحدة وهي ذمة الصانع، أما الحنفية فلا بد أن يكون العقد عندهم عقد خيار وذلك لأنه لما لم يدفع صاحب المستصنع المال، ولم يقم الصانع بالعمل. فلا بد أن يكون عقد في كل واحد منهما بالخيار حتى يقع الخروج من هذه المشكلة أي مشكلة تعمير الذمتين. إذن هذا هو - في نظري - قلب المشكلة وكيف اتخذ كل واحد منهما حلا إما لأنه لا بد من تقديم الثمن كاملا وإما أنه على الخيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>