هذا الاختلاف كان في بداية الأمر أول ما تعورف هذا العقد بهذا الشرط. لكن لما عم التعامل به وشاعت طريقته بسرعة في الأقطار لحاجة الناس إليه، استقر رأي المتأخرين من الفقهاء على حكم نهائي فيه بحسب المقصود منه مراعى فيه ثلاثة مقاصد أساسية، هي:
١- تمليك المشتري المنافع دون حاجة إلى إذن البائع بل بحكم العقد.
٢- وحق التراد أو الفسخ.
٣- وضمان المشتري للمبيع كضمان المرهون.
وسمي هذا بالقول الجامع ورجح بعلامة الفتوى [ر: رد المحتار ج ٤ آخر كتاب البيوع: ص٢٤٧، الطبعة البولاقية ذات القطع الكبير] ، وبه أخذت المجلة في المادة ١١٨. وكل قول يرى في بعض الكتب بخلاف هذا هو مبني على أحد الآراء المختلفة القديمة أول ما تعورف بيع الوفاء قبل القول الجامع الذي استقرت عليه الفتوى.
فبناء على هذا لا يصح بعد ذلك إطلاق القول بأن بيع الوفاء عند الحنفية هو كالرهن من جميع الوجوه، ولا أن يقال أن منافع المبيع وثمرته هي للبائع. ولا يحل شيء منها للمشتري إلا بإذن البائع.
فأما المادة ٣٩٨ من المجلة التي تقول:
((إذا شرط في بيع الوفاء قدر من منافع المبيع للمشتري صح ذلك)) .
فإن فيها سوء صياغة يوهم أنه إذا لم يشرط شيء من المنافع للمشتري فلا شيء له، (كما فهمه بعض الشراح) . ولكن هذا المعنى ليس هو المراد بل المراد أنه إذا لم يشرط للمشتري بعض المنافع فقط فإنه يستحق كل منافع المبيع. فاشتراط بعضها له إنما هو لقصر حقه في المنافع على بعضها دون كلها، ولكنه سوء الصياغة أدى إلى ذلك التوهم. ومعلوم أن المجلة وضعت باللغة التركية ثم ترجمت إلى العربية. وقد وقع فيها مواطن موهمة في صياغتها وهذا من جملتها. وهذا ما حققه والدي الشيخ أحمد الزرقاء رحمه الله في شرحه للقواعد الفقهية التي صدرت بها المجلة. [ينظر كتابي: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد: ج ٤ وعقد البيع - الفقرة ١٥٢؛ وشرح والدي على القواعد تحت القاعدة الثانية: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني آخر التنبيه الرابع من شرحها] .