ولا شك أن انتفاع المرتهن بالمرهون إذا كان الرهن عن دين قرض، زيادة خالية عن عوض فيكون ربا وهو منهي عنه.
ورد هذا الاستدلال بأن هذا الحديث قد ضعفه علماء الجرح والتعديل من جهة السند فلا يصلح للاحتجاج به.
ودفع هذا الرد بأن هذا الحديث وإن لم يثبت مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت معناه في روايات كثيرة، وجرى عمل الصحابة والسلف الصالح على ذلك، وهذا كاف للعمل به.
وثانيًا: على جواز الانتفاع إذا كان الرهن عن دين غير قرض بمفهوم حديث: ((كل قرض جر نفعًا فهو ربا)) فإن مفهومه أن غير القرض إذا جر نفعًا لا يكون ربا، فلا يكون نفعه منهيًّا عنه.
وقد رد هذا الاستدلال بأن الحديث لا مفهوم له، لأنه خرج مخرج الغالب، حيث كان الواقع والكثير الغالب - وقت ورود الحديث - أنهم كانوا يأخذون الرهن في مقابلة القرض وينتفعون به، فنهي الشارع عنه بخصوصه لا ينفي الحكم عما عداه، ونظير ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠] .
ولو سلمنا أنه له مفهومًا، فلا حجة فيه أيضًا، لأنه مفهوم لقب ومفهوم اللقب لا يحتج به على القول الراجح عند جمهور الفقهاء.
واستدل المالكية والشافعية على تقييدهم جواز الانتفاع فيما إذا كان الدين غير قرض بكونه مشروطًا في صلب العقد:
بأنه: إذا كان مشروطًا في صلب العقد كان بيعًا وإجارة وهو جائز. وبكون المدة معينة بأن تعيين المدة يخرج من الجهالة المفسدة للإجارة.
ورد على المالكية، والشافعة: أولًا بأن تقييدهم هذا لا يجنبهم المحظور الذي فروا منه، وهو فساد الإجارة، لأنها في هذه الحالة فاسدة لجهالة الأجرة، وكذلك البيع فاسد لجهالة الثمن، لأن الدين أصبح أجرة وثمنًا على الشيوع.
وثانيًا: بأن هذه الإجارة لا اختيار فيها فالظاهر من أمر المشتري أنه إنما قبل هذا الاشتراط تحت تأثير الحاجة، فهو تصرف لا اختيار فيه، وكل تصرف صدر لا عن اختيار فهو غير صحيح.
القول المختار
هذا والمختار من الأقوال الثلاثة هو القول بعدم جواز انتفاع المرتهن بالمرهون مطلقًا سواء أكان الانتفاع مشروطًا في العقد، أم كان غير مشروط وسواء أكان الرهن بدين قرض أم كان بغير دين قرض، لقوة أدلته وسلامتها مما ورد عليها، ولأنه يتفق وسماحة الدين ويسره ونبل مقصده حيث حث على التعاون وأكده، أما تَحَيُّن الفرص لأكل أموال الناس بالباطل فليس في شرائع الله تعالى ما يبيحه.