أما الأول: فلأن الأصل أن نفقة المرهون على مالكه، كما أفاده حديث:((وله غنمه وعليه غرمه)) ، ولا يعدل عن هذا الأصل إلَّا إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون.
ولما كان المرتهن صاحب حق في المرهون، وبترك النفقة عليه يفوت هذا الحق جعل الشارع النفقة عليه في مقابل انتفاعه ركوبًا، أو حلبًا، لئلا يتضرر من الإنفاق على ملك غيره بالمجان، وقياس الحنابلة تصرف المرتهن على تصرف المرأة في مال زوجها بالإنفاق على نفسها، يؤيد ذلك، لأن المقيس عليه خاص بحالة امتناع الزوج من الإنفاق، فيجب أن يكون المقيس كذلك مقيدًا بتلك الحالة، وإلَّا كان قياسًا مع الفارق.
وأما الثاني: فلأن حديث: ((فإن استفضل من اللبن شيء بعد ثمن العلف فهو ربا)) صريح في ذلك حيث كان الزائد عن النفقة ربا، وهو محرم شرعًا، وبذلك يظهر بوضوح رجحان ما ذهب إليه أبو ثور، والليث، والأوزاعي، من جواز انتفاع المرتهن بالمرهون ركوبًا وحلبًا واستخدامًا بقدر ما ينفقه عليه لا غير، إذا امتنع الراهن عن الإنفاق على المرهون وفي حكمه إذا غاب، أو تعذر إنفاقه لعدم قدرته على الإنفاق، والله عنده علم الصواب.
والخلاصة أن التحريم متفق عليه في غير مسألة المركوب والمحلوب، أما فيها فقد قيل بالحل. ولكن الجمهور على خلافه ولا شك أن الأرض المرهونة ليست كالحيوان حتى تقاس عليه، فلا يجوز أن يكون القرض على رهنها سببًا في الانتفاع بها اتفاقًا فإن محل الخلاف بين الجمهور وغيرهم إنما هو الحيوان كما علمت.