ذلك أن هذا الشاب الطموح قد ولَّاه عمه حين بلغ عمره السابعة عشرة أمير أمراء الأمحال ١١١٨، وهذا في العرف لدى البايات تقليد لا يسند إلا لولي العهد. ولما ولد الأمير حسين بن علي من صلبه ابنه محمد الرشيد، وشَبَّ وَبَلَغَ الخامسة عشر من عمره أحله محل ابن عمه، صارفًا علي بن محمد عن ولاية العهد، مسندًا إليه لقب الباشا استرضاء له، لكن علي باشا أنف من تصرف عمه ورغب عن البقاء معه، وهرب وابنه يونس إلى جبل وسلان ١١٤٠. وحين أحس بعمه يتابعه لحق بالجزائر مستنجدًا، ثم عاد للقاء خصمه في وقعة شديدة كان فيها انتصاره على عمه الأمير حسين بن علي ١١٤٧. وتنقل إثر ذلك هذا الأخير في أطراف البلاد مصحوبًا ببنيه لاجئًا أولًا إلى القيروان، وباسطًا نفوذه بعد ذلك على غالب بلاد الساحل، ودامت الحرب سجالًا بين الباشية أتباع علي باشا والحسينية أنصار حسين بن علي حتى استشهد هذا الأخير في صفر ١١٥٣، وَفَرَّ بنوه إلى المغرب، فاستبد بالحكم علي باشا دونهم وامتدت إمارته واحدًا وعشرين عامًا من سنة ١١٤٨ تاريخ بيعته إلى حين قتله سنة ١١٦٩. وهو في تلك المدة لم يهنأ بالًَا لتفرق كلمة أبنائه وخروج يونس عنه وقيامه عليه ثم فراره إلى قسنطينة، ولقتل ابنه محمد أخاه سليمان ١١٦٨.
تلك هي الظروف السياسية التي عاشتها تونس عند تأسيس الدولة الحسينية وقيامها بها. وإنما عرفت الاستقرار والأمن بدخول صقر الدولة الحسينية محمد الرشيد ابن حسين بن علي إليها راجعًا من الجزائر يصحبه أخوه علي بن حسين. ومضت أيامه سعيدة حافلة بالأمجاد إلى أن وافاه المنون ١١٧٢.
وبويع أخوه الأمير الباشا علي من بعده وسار سيرة أخيه وأبيه من قبل، لولا أن ثار عليه إسماعيل مستعديًا شيعته وشيعة أبيه يونس أهل جمال ووسلات على الباشا. وبالقضاء على هذه الفتنة وتتبع أصحابها وتفريقهم على القرى وإخلاء جبل وسلات منهم استتب الأمن واستقرت الأوضاع.