وفي المحرم ١١٩١ قدم الأمير علي بن الحسين ابنه حموده للولاية وجاءته الخلعة والتقليد من الدولة العلية، وتمت بيعته عند وفاة والده ١١٩٦. فكان من أصلح الأمراء وأكملهم وأحسنهم سيرة وسلوكًا. وقد كانت له حروب مع الجزائريين مثل غيرهم ممن سبقهم من الملوك. وانهزم جيشه عند اللقاء لكنه ما لبث بحسن سياسته وحكمة تدبير رجال دولته أن أعاد الكرة على خصومه وكانت له الدائرة عليهم.
وبقدر ما طالت مدة ولاية الأمير حموده إذ كانت وفاته مفتتح شوال ١٢٢٩ قصرت ولاية أخيه عثمان من بعده الذي خلع وقتل ليلة عاشوراء ١٢٣٠.
ثم تقدم للإمارة من بعده ابن عمه محمود باشا ابن محمد الرشيد ودامت ولايته تسع سنين.
وتسلم مقاليد الدولة عند وفاته ابنه حسين باشا ابن محمود الذي نجمت في عهده أحداث منها: إمداده الدولة العليا بالعساكر والميرة لتقويتها على مقاتلة العدو المحارب لها، وعقده الصلح مع حكومة سردينيا بعد وحشة طالت بين البلدين، وفي المحرم ١٢٤٦ استولت فرنسا على الجزائر ثم على باقي الثغور شيئًا فشيئًا، ونزل في كنف الأمير حسين بن محمود عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين الجزائريين، وحملته الظروف على ترتيب الجند النظامي وإحكام أسسه وضبط قواعده وقوانينه (١) .
وما من شك في أن ألوان التعامل التي كانت بين الأمراء والرعية من جهة، والتصرفات والمواقف المتباينة التي سجلها التاريخ لهم هي التي ظهرت بارزة واصطبغت بها حياة البلاد والعباد في هذه الفترة من الزمن.
فإبراهيم الشريف باي، وإن جاء لإنقاذ تونس من مكر "مراد أبو باله" وظلمه، سار أول الأمر سيرة حسنة، ولما اشتد حرصه على ما في أيدي الناس، وتملكه الغرور، وسلك سبيل المستبدين، ظلم الرعية وأعمل السيف، وذبح النساء والأطفال، واستصفى الأموال، وكاد يستأصل العرب جميعهم لشدة بغضه لهم، فالدولة عنده والحكم لديه ليسا رعاية للشعب وتفقدا لأحواله، ونشرًا للأمن والعدل بين الناس، ولكنهما الاستبداد بالأمر والاختصاص بالنفوذ، وتسخير كل ما حوله له ولأفراد أسرته. وطبيعي أن تكون عاقبته الخزي والهوان والموت.
وهكذا التف كل من في البلاد حول الأمير الجديد حسين بن علي الذي اختلفت الحياة في عهده عنها في عهد سلفه. فكانت على حد قول بعضهم خصبًا بعد الجدب، وأمنًا بعد الرعب، وسلمًا بعد الحرب، وبقدر تمكنه من السلطة وتحكمه في أمر الدولة كان إقبال الخاصة والعامة على العمل والجد، فكثرت العمارة وانتشرت الزراعة وتقدمت الصناعة، والتزم الناس في معاملاتهم وتقاضيهم أحكام الشريعة، يرعونها حق رعايتها ويقفون عندها التزامًا وتطبيقًا، وأكبر الشعب التونسي تصرفات حسين بن علي. وبهرته أعماله الجليلة ومناقبه الشريفة، مثل إحيائه مدينة القيروان ومساجدها وزواياها، وبنائه عددًا كبيرًا من المدارس بصفاقس ونفطة والقيروان، وإنشائه بتونس مدرسة النخلة والحسينية الصغرى والجامع الجديد، وفسقية الملاسين.