للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجتمع الجديد وعناصره:

كان حكام البلاد وقادتها مزيجًا من الأعاجم والموالي الملتحقين بالجيش العثماني تضرب أصولهم في النصرانية قبل دخولهم الإسلام، ويتسمون بأسماء سلاطين آل عثمان ويتلقبون بألقابهم (١) ، وعلى هذا النحو كان سكان الإيالة التونسية، فقد اختلطت عناصرهم وتلاشت جنسياتهم في مجتمع أصله من البربر، وفد عليه من سواحل الشام ومن روما أعداد كثيرة من الفينيقيين والرومان، والتحق بهم في الفتح الإسلامي عناصر جديدة منها الفارسي والمصري والسوري والطرابلسي، ثم غلب العنصر العربي على العنصر البربري وانضم إليهم مهاجرو صقلية والأعراب من بني هلال ورياح ودريد وأولاد سعيد، وتبعهم الأندلسيون في هجراتهم المتعاقبة فكان من بين هؤلاء أيضًا عرب وبربر وفوط وفندال ولحقت بهؤلاء جميعًا جموع من الطليان. وفي العهد التركي اكتسحت البلاد جموع غفيرة من عساكر الانكشارية امتزجوا بالأُسَر العربية من سكان البلاد وتكون من زيجاتهم ومصاهراتهم الكوالغلية (٢) ، كما قدم إلى تونس لحاجة الحكام وبدعوة منهم عساكر زواوة وعلوج أكثرهم من القرج والروم. وهذا ما حمل صاحب "صفحات من تاريخ تونس" على القول: "بأن العنصر التونسي عبارة عن مزيج مركب من عناصر نشيطة مختلفة الأجناس أكثرهم في العدد البربر فالعرب فالأندلس فالترك فالزنوج فالنورمانديون فبقية عناصر الأقليات التي اندمجت في عناصر الأكثريات، وبحكم الضرورة لا بد وأن تلك العناصر تكون متباينة في القوة والإدراك والأخلاق ولكنهم متحدون كلهم في حب بلادهم تونس على السواء" (٣) .

ونحن نلاحظ بوجه عام تمايز عناصر ثلاثة في الفترة التي نؤرخها كلها، على تفاوت بينها، لها تأثير في الحياة العلمية والفكرية كما لها ارتباط بالدولة وعلاقة بها. وهذه العناصر هي التونسي والأندلسي والتركي بحسب الظهور والترتيب الزمني.


(١) محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس، بآيات الدولة المرادية: ص٤٨ - ٥٦.
(٢) واحده كولغلي، وهو من يكون أبوه تركيًّا نتيجة هذه الارتباطات.
(٣) محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس، عناصر الشعب التونسي وامتزاجها: ص٢٢١ - ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>