للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثالث

فيما يجوز من فعل للمشتري وفاء في مبيعه وما لا يجوز

ولنؤخر الأول لطول الكلام عليه.

اعلم أنه لا يصح منه فيه نقل الملك ببيع بات ولا هبة ولو على القول بفساده على ما مر أنه المختار (١) فيه، ولا نقل اليد لا ببيع وفائي مثل بيعه على ما نص عليه في البزازية (٢) ، (المبيع وفاء لا يعار ولا يرهن) ولا برهن محض أو إعارة على ما ظهر لنا من قولهم: إنه (الوفاء يعطي له حكم الرهن) معطى له، في غير الانتفاع به سكنى واستغلالًا على القول بالتركيب، حكم الرهن، والمرهون لا يرهن ولا يعار، وحيث علمت من كلام البزازي أنه لا يصح من مشتريه عقد بيع الوفاء فيه (مسألة التولية في الوفاء) يظهر لك أن ما يصنعه بعض شراته من توليتهم (٣) شراءهم الوفائي غيرهم لا يصح إذا لم يكن بإذن البائع (٤) . وإذا كان غير صحيح تكون يد المتولى

[٣٧٧] عليه بسبب تلك التولية غير محقة (٥) .

(المالك ينتزع المبيع من يد غير محقة ولو بغيبة المشتري) وإذا كانت كذلك كان للمالك نقضها مع غيبة المشتري منه ورد المبيع ليده حتى يحضر الغائب ذو اليد المحقة فيأخذه منه حتى يدفع هو له مال وفائه. وليس لصاحب التولية أن يصده عن ذلك: بأنك بعته وفاء لفلان، فلا حق لك الآن فيه حتى تدفع له ثمن وفائه، لأنه ليس بنائب عنه، لا حقيقة وهو ظاهر، ولا حكمًا تصحيحًا لتوليته، لأن ذلك إنما يكون لو كان للمشتري أن يعقد فيه التولية. وقد عرفت أن ليس له ذلك.

وحكم وإرث كل واحد من هؤلاء الثلاثة (٦) حكم مورثه، كما ذكره ذلك كله صاحب الفصول نقلًا عن القاضي الأمير. وهو وإن ذكره في صورة كون المشتري وفاء باعه باتًّا فقد علمت استواء البيعين في عدم الصحة من المشتري وفاء، فتحقق في البيع الوفائي ما تحقق في البات من كون يد المشتري الأخير غير محقة، وهو المناط في نزع المالك ملكه من يده فيثبت في الوفائي ثبوته في البتي (٧) . والقاضي الأمير وإن كان من الرائين كون الوفاء رهنًا، وكلامنا على رأي من يراه مركبًا منه ومن البيع، إلا أنك عرفت أن من يرى التركيب فيه يراه في حق البائع رهنًا. ونحن نتكلم بالنسبة إليه حيث قلنا: له نزع متاعه من يد من ليس له يد محقة عليه.


(١) أي عدم صحة النقل المختار فيه وأنه لا يفوت بها. ب.
(٢) قال عماد الدين وعلاء الدين ومنهاج الشريعة: (في المشتري وفاءً إذا باع باتًا أو وفاءً أو وهب أن هذا التصرف لا يصح) . البزازية: ٤/٤١١؛ وفي نور العين: (والمشتري وفاء إذا باع باتًّا أو وفاءً أو وهب لا يصح) . البنشانجي: ٧٥ أ؛ وفي المادة ٣٩٧: (ليس للبائع ولا للمشتري بيع مبيع الوفاء من غيره لأن البيع بالوفاء في حكم الرهن في كل شأن من شؤونه) . علي حيدر: ١/٣٦٥؛ شرح المجلة: ٢٢٤، ٣٩٧.
(٣) التولية نقل جميع المبيع إلى المولى بما قام عليه بلفظ: وليتك أو نحوه من غير زيادة ربح ولا نقصان. الموسوعة الفقهية الكويتية: ٩/٤٩.
(٤) أما إذا كان بإذنه فإن قال أرهنه لك فهو ملغى ولا يصح رهنه. وإن قال: لي كان له. وتضمن هذا فسخ الرهن الأول وتوكيله بالثاني هـ. والظاهر حينئذ رجوع الحقوق إليه. ومنها طلب ثمن الوفاء بعد فسخه. ثم هذا الفسخ كما يصح منه يصح من موكله. فقد صرح المقدسي، في إقالة شرحه الكنز المنظوم، بصحة إقالة وكيل البيع وموكله أيضًا. وهذا حقه لأنه وكيل بيع وفائي لكن قيد شارح المجمع صحة إقالة وكيل البيع بما إذا لم يقبض الثمن. كذا بخط الوالد رحمه الله تعالى. ب.
(٥) في كتاب الرهن من الخيرية: (سئل في رجل ارتهن كرمًا من رجل بمبلغ وغاب الراهن فجاء أجنبي فقضى الدين وارتهن الكرم وأكل ثمرته مدة سنين، ثم حضر الراهن ومنعه المرتهن الكرم حتى دفع له ما دفع للمرتهن الأول. فما الحكم في ذلك وفيما أكله من ثمره؟ أجاب ليس له منعه، ويضمن له ما أكله من ثمره وشجره، ولا يرجع على أحد بما دفعه لا على الراهن الأول، ولا على الثاني لكونه متطوعًا. والله سبحانه وتعالى أعلم) . الرملي: ٢/١٩٣. وفعل بيع الوفاء معطى له حكم الرهن. محمد ابن الخوجة الأكبر. ج، ر. وبيان هذا الحكم وارد بعد نقلًا من العمادية.
(٦) المالك والمرتهنان. ب.
(٧) سئل صاحب الهداية عمن باع كرمه من رجل بيع الوفاء وتقابضا، ثم باعه المشتري من آخر بيعًا باتًّا وسلم وغاب. هل للبائع الأول أن يخاصم هذا المشتري الثاني ويسترد منه كرمه؟ قال: نعم، وإن كان حق الحبس للمرتهن لكن يد هذا المشتري محقة، والبائع الأول مالك له وله أن يسترد ملكه ممن قبض بغير حق، ثم للمرتهن حق أن يأخذه منه وبحبسه متى حضر. قال: وكذلك إذا مات البائع الأول والمشتري الأول والمشتري الآخر فلورثة البائع الأول أن يستخلصوه من أيدي ورثة المشتري الآخر، ولهذه الورثة أن يستردوا ما أعطى البائع مورثهم من الثمن، ولورثة المشتري الأول أن يستردوا الكرم من ورثة البائع الأول ويحبسوه بدين مورثهم إلى أن يقبضوا الدين. وهذه الجملة من فتاوى النسفي. العمادية: ١٠٣ أ؛ والجامع: ١/٢٣٥؛ والبنشانجي: ٧٣ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>