ومتى كان شجرًا كان البيع فيه وفاء لا باتًّا لأنه من أجزاء الشجر الذي انعقد الوفاء عليه، ومتى كان كذلك لا يملكه المشتري وفاء وإنما يملك نزله، إذ عقد الوفاء لا يوجب للمشتري ملكية عين المبيع، بل زوائده ومنافعه. فتبقى عين المقطوع على ملك البائع كالأجزاء الباقية التي لم تقطع. وليس لقطعه ولا عدم إثماره بعد القطع أثر في نقل الملك فيه من البائع للمشتري، (الشجرة الميتة تكون للبائع) إذ هو بمنزلة موت شجرة من شجر الوفاء، أيتوهم أنها لعدم إثمارها بالموت تصير مملوكة للمشتري! (القص مع كونه للبائع للمشتري حبسه عنه) ولكن مع كون ذلك الحطب المقطوع للبائع، وليس للمشتري منه شيء، له حبسه عن البائع حتى يدفع له مال الوفاء. ولا يلزمه أن يسلمه له قبل ذلك لأنه إذا كان من جملة المبيع وفاء فالمبيع الوفائي يجري في الحبس مجرى المرهون، والمرهون يحبسه المرتهن عن الراهن في دينه. فهذا كذلك. وقد كان تلمح لي فيه أنه يجري
[٤٠٤] مجرى قوائم الخلاف حتى وصلت في هذا الجمع لهذا المحل ففتح الله سبحانه وتعالى فيه بما سمعت. وهذه أمور تحدث بحسب ما يقذفه في القلوب علام الغيوب.
بقي ههنا شيء: وهو أن هذا المقطوع من الحطب حيث كان، مع كونه ملك البائع، منسحبًا عليه حكم الرهن حتى كان للمشتري حبسه عنه، فهل له منع البائع من أصل قطعه باعتبار كونه مرهونًا موصولًا فلا يصيره له مفصولًا؟ ليس للمشتري منع البائع من القطع ويظهر لي أن ليس له ذلك لأنه تشذيب للشجر وتنقية تثمر له تقوية فيكون من باب إصلاح المالك لملك نفسه كحرثه وسقيه ورم ما استرم منه. وقد صرحوا بأن له إصلاحه، وإن كان في حال كونه بيد غيره بحق. ألا ترى إلى ما نص عليه في التاتارخانية (١) لمؤجر الدار أن يدخلها ليصلحها من (أن لمؤجر الدار أن يدخلها ليصلحها وإن كان بغيبة المستأجر وبلا إذن منه) وليس في ذلك ضرر بالمشتري لأنه يحبسه كما القائم ويباع في دينه كما يباع هذا.
(١) الفتاوى التاتارخانية نسبة إلى الخان الأعظم تاتارخان الذي أشار بجمعها واسمها في الأصل زاد المسافر. وهي من تأليف الإمام الفقيه عالم بن علاء الأنصاري الأندريني الحنفي. تقع في مجلدات تحتوي على مسائل المحيط البرهاني، والذخيرة، والخانية، والظهرية. وهي مرتبة على أبواب الهداية. لخصها وانتخب منها إبراهيم بن محمد الحلبي ما هو غريب أو كثير الوقوع. الكشف: ١/٢٦٨.