في حكم المبيع وفاء بعد الفسخ ومطالبة المشتري مال الوفاء
في غير بلده أو بعد ما غصب المبيع من يده
اعلم أن فسخ الوفاء تارة يكون قصدًا بالقول أو بالفعل على ما مر، وأخرى ضمنًا بأن كان وقع في مبيعه من بائعه بيع بات أو وفاء فأجازه مشتري الوفاء منه أولًا، فإن إجازته لأحد البيعين تتضمن فسخ وفائه. وتتعلق بهذين الفسخين مسألتان:
إحداهما إذا كان هذا المشتري الذي انفسخ شراؤه الوفائي بأحد الأمرين لم يكن قبض مال وفائه المفسوخ بعد، فهل له حبس المبيع عن البائع في صورة الفسخ القصدي القولي معه، وعن المشتري في صورة الفسخ الضمني بإجازته لشرائه أم لا؟
ثانيتهما إذا كان له حبسه عن الأول ومات الأول عن غرماء ولم يترك سوى ذلك المبيع فبيع في خلاص ما على الميت من دين، فهل يختص هذا المشتري بقدر مال وفائه من ثمنه من بين الغرماء؟ أم يكون أسوة لهم فيه؟ وإذا لم يكن له حبسه عن المشتري في الصورة الأخرى لمكان إجازته، فهل له أن يأخذ منه الثمن فيحبسه عن البائع؟ وإذا مات على تلك الصفة يختص بقدر وفائه من ذلك الثمن أم لا؟ بهامش الصفحة والتي تليها مسألة مضافة نصها: الحمد لله. وجدت بخط المؤلف على هامش البزازية ما نصه: الحمد لله. قد كنت كتبت على مسألة الزكاة في مال الوفاء ما نصه: اعلم أن مال الوفاء إما أن يبقى بيد البائع حتى يحول عليه الحول أو لا. فإن كان الأول فأما البائع فتلزمه زكاته اعتبرت الوفاء رهنًا أو بيعًا صحيحًا نافذًا أو فاسدًا، ضرورة دخول المال في ملكه في الصور كلها. أما في الرهن والبيع الصحيح فواضح، وأما في الفاسد فبدخول المبيع فيه في ملك المشتري بالقبض، وهو يستلزم خروج الثمن عن ملك المشتري لئلا يجتمع البدلان في ملك شخص واحد. وإذا خرج الثمن عن ملكه دخل في ملك البائع لزومًا تحقيقًا للمساواة بينهما، ولا أثر لوجوب رده عند الفسخ كما لا أثر لوجوب الرد في الرهن في نفي ملكيته فيرد لأن الواجب رد مثله لا عينه لما عرف من قواعدنا أن الدراهم والدنانير لا تتعين في العقود والفسوخ مع التعيين فكيف مع عدمه. وأما المشتري، فأما على اعتباره رهنًا فكذلك لأنه دين له على البائع فيجري على حكم زكاة الدين. وهنا يتمشى قولهم، وليس فيه إيجاب الزكاة على شخصين في مال واحد لأنه ما تقرر من عدم التعيين يكون الإيجاب في مالين إذ أحدهما عين والآخر دين. وأما على اعتباره بيعًا بنوعيه فلا. أما على القول بالصحة واللزوم فظاهر لا غبار عليه. وأما على القول بالفساد فلأن الثمن في البيع الفاسد ليس بدين للمشتري في ذمة البائع في الحال. فكيف وإنما أعطاه للبائع بدلًا عما وجب له عليه من عوض المبيع الذي دخل في ملكه بالقبض. وإنما هو عرضة أن يصير دينًا في المآل، وذلك عند التفاسخ ولهذا صرحوا بعدم صحة الكفالة بمال الوفاء إلا مضافة لوقت الفسخ، لأن صحة الكفالة مشروطة بكون المكفول به دينًا. وهذا لا يكون كذلك إلا عند الفسخ وكأنهم إنما أطلقوا القول بوجوب زكاة مال الوفاء على المشتري الموهم أنه متمش على كل قول فيه مع أنك عرفت أن تمشيته ليست إلا على أنه رهن لأن المختار في بيع الوفاء هو القول بالتركيب وهو العمل بكل قول فيه ولكن في مواضع مختلفة، وتعيين تنزيل كل قول في موطن يتبع المصلحة فيما يظهر، ولا شك أن اعتبار مصلحة الفقراء في موطن الزكاة يقتضي اعتباره هنا لتجب على المشتري. وأما إذا هلك في يد البائع قبل الحول على الوجه المعروف فأما البائع فعدم الوجوب عليه أظهر من أن ينبه عليه، وأما المشتري فتجب عليه بالوجه الذي مرت الإشارة إليه. حرره كاتبه الفقير محمد بن محمد بيرم كان الله تعالى له. ر.