للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاتمة

في اختلاف المتعاقدين في العقد الذي بينهما

أهو بيع بات أو بيع وفاء

(١)

ذكر صاحب الفصول: (أن جده سئل إذا ادعى بيعًا جائزًا والمشتري بيعًا باتًّا أو ادعى على العكس، فالقول لمن يكون؟

(و) أجاب: لمن يدعي البات. وقال: وكنت أفتي في الابتداء أن القول قول من يدعي بيعًا جائزًا وله وجه حسن، إلا أن أئمة بخارى هكذا أجابوا فوافقتهم) (٢) .

أقول: لعل الوجه الحسن الذي أشار إليه في كون القول قول من يدعي البيع الجائز هو أن المدعي البتات يدعي خلاف الظاهر.

(أما إذا كان مشتريًا فلأنه يدعي على البائع زوال ملكه عن المبيع وهو ينكر، والأصل عدم الزوال) (٣) .

وإن كان بائعًا فهو يدعي على المشتري لزوم الثمن بذمته والمشتري ينكر، والأصل عدم اللزوم (٤) .

فإن قلت: هذا إنما يظهر فيما إذا كان اختلافهما قبل قبض البائع الثمن من المشتري، إذ هنا يجيء كون البائع طالبًا من المشتري الثمن من دعواه (٥) لزومه عليه بدعواه بتات البيع، والمشتري ينكر اللزوم بادعائه الوفاء الذي هو غير لازم.

أما إذا كان الاختلاف بعد القبض فالبائع هنا لا يدعي على المشتري شيئًا ليكون المشتري بدعوى الوفاء منكرًا له ليجعل القول قوله لإنكاره، وإنما الأمر في ذلك بالعكس: وهو أن المشتري هو الذي يدعي عليه وجوب رد الثمن الذي قبضه منه لكون البيع غير لازم، والبائع ينكر ذلك لكون البيع لازمًا فلا يلزمه رده.

وكان هذا هو وجه رجوع صاحب الهداية عما كان يفتي به من كون القول قول مدعي الجائز إلى ما أفتى به البخاريون من كون القول قول مدعي البتات لا مجرد موافقته لهم في الجواب.


(١) انظر شهادة البحر فإنه نقل الكلام في هذه المسألة عن الغنية. محمد ابن الخوجة الأكبر ج. ر؛ وفي مجمع النوازل. اختلف المتبايعان فقال المشتري شريته باتًّا، وقال البائع بعقد وفاء. فالقول للبائع (قياسًا) إذ المشتري يدعي زوال عينه عنه وهو ينكر فيصدق. الجامع: ١/٢٤٦.
(٢) بتصرف قليل. العمادية: وسط ١٠٨ ب؛ الجامع: ١/٢٤٦. والذي يتحصل من القنية والملتقط أن الاستحسان في الاختلاف في البينة ترجيح بينة الوفاء، وفي الاختلاف في القول ترجيح قول مدعي البات وهذا ما حرره الرملي. ابن عابدين. رد المحتار: ٤/٢٤٨.
(٣) العمادية: وسط ١٠٨ ب؛ انظر اللآلي الدرية في الفوائد الخيرية: ١/٢٤٦؛ رد المحتار: ٥/٢٧٩) .
(٤) والذي استقر عليه الرأي عند الفقهاء في هذه المسألة أن البينة تكون على مدعى الوفاء لأنه يدعي خلاف الظاهر والقول لمدعي البات بيمينه استحسانًا إلا إذا قامت قرينة على خلافه كما إذا ادعى المشتري البيع باتًّا وكان في الثمن غبن فاحش فإنه حينئذ لا يقبل قوله بيمينه لأن الظاهر مكذب له إلا أن يدعي تغير السعر. شرح المجلة: ٢٢٣.
(٥) نخ: لدعواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>