قال ابن عبد البر: هذا الحديث منسوخ عند جمهور الفقهاء، ويرده أصول مجمع عليها وآثار لا يختلف في صحتها على نسخه حديث ابن عمر لا تحلب ماشية امرىء بغير إذنه، وقال: عن الشافعي ما يشبه أن يكون المراد لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن، وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه: ليس للراهن ذلك لأنه ينافي حكم الرهن وهو الحبس الدائم وفي الجامع الصغير للسيوطي وشرح للعزيري: الرهن أي الظهر المركوب يركب بنفقته ويشرب لبن الدر، قال العلقمي: يجوز للمرتهن ذلك بإذن الراهن وإذا هلك لا ضمان عليه، وقال أحمد وإسحاق وطائفة: يجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون إذا قام بمصلحة وإن لم يأذن له المالك، ومنه أيضًا الظهر أي ظهر الدابة المرهونة مركب بنفقته إذا كان مرهونًا أي يركبه الراهن وينفق عليه عند الشافعي ومالك لأن له الرقبة، وليس للمرتهن إلا التوثق، أو المراد المرتهن له ذلك بإذن الراهن واستدلت طائفة بالحديث على جواز انتفاع المرتهن بالمرهون إذا قام بمصلحة وإن لم يأذن له المالك، وحمله الجمهور على ما تقدم، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة، وهو الراهن وكذا عليه نفقته وإن لم ينتفع به، وبظاهر الحديث عمل أحمد ابن حنبل، قال غيره: لا يجوز الانتفاع به لكن منافعه كاللبن ونحوه يكون للراهن عند الشافعي ويكون رهنًا كالأصل عندنا انتهى.
وأطال أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار بحث الرهن والانتفاع بالمرهون للمرتهن أو الراهن، وقال: وقد ظهر من هذه العبارات وغيرها من كلمات الثقات أنهم اختلفوا في الحديث المذكور على أقوال، أحدها: حمله على انتفاع الراهن وهو مسلك الشافعية، وثانيها: حمله على المرتهن مطلقًا وإن لم يأذن له الراهن وهو مسلك الحنابلة، وثالثها: حمله على انتفاع المرتهن بإذن الراهن وهو مسلك جمهور علماء الأمة، ورابعها: كونه منسوخًا بتحريم القرض مع جر المنفعة، ولا يخفى على المنصف غير المتعصب أن أولى الأقوال فيه: حمله على انتفاع المرتهن عند إذن الراهن، لكن بشرط أن لا تكون مشروطًا حقيقة أو حكمًا كما سيأتي، أما حمله على جواز انتفاع المرتهن مطلقًا يخالفه الأصول الشرعية والقواعد الممهدة النقلية الثابتة: - لا يجوز الانتفاع بملك الغير بدون إذنه صريحًا أو دلالة فإنه لا شك أن المرهون مملوك للراهن وليس للمرتهن إلا حق حبس التوثيق، فكيف يجوز له التصرف بغير إذن الراهن وإليه أشار ابن عبد البر المالكي في إرشاد السالك - وحمله على انتفاع الراهن يخالف تصريح ما ورد في بعض طرقه من ذكر المرتهن.