للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- حينما نتأمل في بيع الوفاء نجد أنه أشبه بالرهن من البيع، فكما أن في الرهن يأخذ الراهن الدين من المرتهن، ويعطيه المرهون، حتى إذا قضى دينه يأخذ المرهون من المرتهن كذلك البائع ههنا يأخذ المبلغ من المشتري ويعطيه المبيع حتى إذا رد عليه الثمن استرد منه المبيع. فكان بيع الوفاء رهنا في الحقيقة. ومن حكم الرهن حرمة الانتفاع بالمرهون للمرتهن عند جميع الفقهاء. وههنا ينتفع المشتري وهو المرتهن حقيقة بالمشتري الذي هو المرهون، فيلزم أن يكون حرامًا. ولكن تعارفه بعض الناس احتيالًا للربا كما ذكره ابن عابدين في رد المحتار وغيرهم من الحنفية في كتبهم.

متى حدث هذا البيع:

لا نجد ذكر بيع الوفاء في كتب المتقدمين من فقهاء الحنفية وأئمتهم في القرون الأربعة الأولى، ولذلك نرى أن هذا البيع حدث بعد القرن الرابع في أوائل القرن الخامس الهجري، فقد أظهر رأيه في هذا البيع الإمام القاضي الحسن الماتريدي والسيد الإمام أبو شجاع والإمام علي السغدي، وهم من فقهاء القرن الخامس.

لماذا حدث هذا البيع:

نقل القاضي ابن سماوة عن بعض الفقهاء:

(البيع الذي تعارفه أهل زماننا احتيالًا للربا وسموه بيع الوفاء، وهو رهن في الحقيقة ... لا فرق عندنا بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام، لأن المتعاقدين وإن سمياه البيع، ولكن عرفهما الرهن والاستيثاق بالدين) (١) .

وقال ابن نجيم بعدما ذكر موقف قاضيخان في ذلك:

(جاز البيع ولزم الوفاء، وقد يلزم الوعد لحاجة الناس فرارًا من الربا، فبلخ (أي أهالي بلخ) اعتادوا الدين والإجارة، وهي لا تصح في الكروم، وبخارى (أي أهالي بخارى) الإجارة الطويلة ولا يكون ذلك في الأشجار، فاضطروا إلى بيعها وفاء، وما ضاق على الناس أمر إلا اتسع حكمه) (٢) .


(١) جامع الفصولين: ١/٢٢٤.
(٢) البحر الرائق: ٦/٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>