يظهر من كلام الفقهاء ومن العبارتين اللتين ذكرناهما آنفًا، أنه احتيج إلى بيع الوفاء لأمور:
الأول: كان الناس يريدون أن يأخذوا الديون لحاجتهم، ويرهنوا أراضيهم لذلك. وكان المرتهن الدائن يأبى عن مبرة الإقراض المستحب إلا بأن يأخذ عليه منفعة لنفسه، وبما أن الشرع حرم على الدائن أن يأخذ على الدين ربحًا، لأن كل قرض جر منفعة فهو ربا. وبما أن الشرع حرم على المرتهن أن ينتفع بالمرهون، لكونه ربا. احتال الناس إلى بيع الوفاء، لكي ينتفع المرتهن بالمرهون، فإن المرتهن يصير بهذه الحيلة مشتريًا وللمشتري أن ينتفع بمملوكه كيف يشاء، إلا أنه وعد أن يرد على المشتري المبيع إذا رد عليه الثمن.
الثاني:(كما فهمته من عبارة البحر الرائق) أن أهالي بلخ كانوا يأخذون القرض من أحد، وكانوا يجيرون في مقابلته إلى الدائن بستان الكروم على أن العنب للمستأجر، ولكن إجارة الكروم على هذا الشرط لا يجوز عند الفقهاء، فاحتالوا بيع الوفاء مكان الإجارة، لكي يكون هذا العقد تحت ضابط شرعي.
الثالث: أن أهالي بخارى كانوا يأخذون القرض ويدفعون في مقابلته أشجار البستان إجارة، على أن الثمرة للمستأجر، ولكن إجارة الأشجار (١) على هذا الشرط لا يجوز عند الفقهاء، فاحتالوا بيع الوفاء، ليكون هذا العقد تحت أصل كلي مباح.
(١) في الفتاوى الهندية: ولا تجوز إجارة الشجر على أن الثمر للمستأجر، وكذلك لو استأجر بقرة أو شاة، ليكون اللبن أو الولد له، كذا في محيط السرخسي. [الفتاوى الهندية: ٤/٤٤٢، كتاب الإجارة] . وقال ابن عابدين في باب المساقاة تحت قول الماتن: (وإذا انقضت المدة تترك بلا أجر، ويعمل بلا أجر، وفي المزارعة بأجر) (قوله تترك بلا أجرة) أي للعامل القيام عليها إلى انتهاء الثمرة، لكن بلا أجر عليه، لأن الشجر لا يجوز استئجاره (قوله وفي المزارعة بأجر) أي في الترك والعمل، لأن الأرض يجوز استئجارها. [رد المحتار: ٦/٢٨٦] .