للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هو الراجح من تلك الأقوال:

قد تبين مما حررنا سابقًا أن المقصود من بيع الوفاء كان في الحقيقة رهنًا غيروه إلى بيع حتى ينتفع الدائن بمقبوضه. فلو نظرنا إلى المعنى والمقصود لوجب لنا أن نقول بما قاله أصحاب القول الأول، ونجري عليه أحكام الرهن، أما إذا نظرنا إلى الألفاظ والمباني نجد أن القول الثالث الذي اختاره قاضيخان هو الراجح، وبه أفتى مشائخ الحنفية من المتأخرين.

فالترجيح للقول الثالث كما يظهر مما يلي:

١- ذكر ابن قاضي سماوة في جامع الفصولين: (قال النسفي: اتفق مشايخ زماننا على صحته بيعًا على ما كان عليه بعض السلف، لأنهما تلفظا بلفظ البيع بلا ذكر شرط فيه، والعبرة للملفوظ دون المقصود، فإن من تزوج امرأة على نية أن يطلقها بعد ما جامعها، صح العقد. أقول أن الانتفاع به مقصود كما أن الاستيثاق به مقصود، فلا وجه لجعله رهنًا مع رضاه بالانتفاع، فعلى هذا لا يكون رهنًا لا لفظًا ولا غرضًا) (١) .

٢- قال علاء الدين الحصكفي في كتابه الدر المختار في شرح تنوير الأبصار: (وقيل إن بلفظ البيع لم يكن رهنًا، ثم إن ذكر الفسخ فيه أو قبله، أو زعماه غير لازم كان بيعًا فاسدًا، ولو بعده على وجه الميعاد جاز، ولزم الوفاء به، لأن المواعيد قد تكون لازمة لحاجة الناس، وهو الصحيح كما في الكافي والخانية، وأقره "خسرو" هنا والمصنف في باب الإكراه، وابن الملك في باب الإقالة) (٢) .

٣- وفي مجلة الأحكام العدلية: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة أو خاصة، ومن هذا القبيل تجويز بيع الوفاء، فإنه لما كثرت الديون على أهالي بخارى مست الحاجة إلى ذلك، فصار مرعيًّا) (٣) .

٤- وبه أفتى المشايخ من أهل الفتاوى في شبه القارة الهندية (باكستان والهند) منهم فضيلة الشيخ أشرف علي التهانوي (٤) وفضيلة والدي الشيخ المفتي محمد شفيع (٥) وغيرهم من العلماء والمفتين.


(١) جامع الفصولين: ١/٢٣٥.
(٢) الدر المختار: ٥/٢٧٧.
(٣) مادة: ٣٢.
(٤) إمداد الفتاوى: ٣/١٠٦ - ١٠٩.
(٥) إمداد المفتين: ٢/٨٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>