للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل المستند إليه في التحليل أو المنع:

ربما يتوهم ظاهرًا من تحليل بيع الوفاء أن هذه حيلة لأخذ ما كان ربا. ولكن حينما نتأمل نجد أن هذا الوهم ليس في محله، فإنه لو أخذ المرتهن من الراهن الشيء المرهون، وانتفع به لكان ربا وحرامًا داخلًا في قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] .لأن كل قرض جر منفعة فهو ربا. أما إذا اشترى رجل أو مرتهن ذلك الشيء من رجل أو راهن، وتملكه ببيع وانتفع به فهو بيع داخل في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] .

أما كون هذا من الحيل فليست كل حيلة ممنوعة شرعًا. فقد ذكر أخي العزيز الشيخ المفتي القاضي محمد تقي العثماني في كتابه ((تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم)) تحت حديث ((قاتل الله اليهود، حرم الله عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها)) ما نصه:

(والحق كما قال الآلوسي في تفسير روح المعاني: ٢٣/٢٠٩، تحت قوله تعالى: {فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] .

إن الحيلة كلما أوجبت إبطال حكمة شرعية لا تقبل، كحيلة سقوط الزكاة وسقوط الاستبراء. وأما إذا توصل بها الرجل إلى ما يجوز فعله، ودفع المكروه، بها عن نفسه وعن غيره فلا بأس بها. وقال السرخسي رحمه الله في كتاب الحيل من المبسوط: ٣٠/٢١٠، (فالحاصل أن ما يتخلص به الرجل من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن، وإنما يكره ذلك أن يحتال في حق الرجل حتى يبطله أو في باطل حتى يموهه، أو في حق حتى يدخل فيه شبهة، فما كان على هذا السبيل فهو مكروه، وما كان على السبيل الذي قلنا أولًا فلا بأس به) واستدل على جواز الحيلة المشروعة بقوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] .

فإن ذلك تعليم حيلة، وبقوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف: ٧٠] .

فإنه حيلة. وجاء السرخسي رحمه الله تعالى بعدة أحاديث وآثار تدل على جوازها.

قال العبد الضعيف عفا الله عنه: ومن أقوى ما يدل على جواز الحيلة المشروعة ما أخرجه الشيخان والنسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب، فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: إنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاث، قال: لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا. الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>