للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفصيل: يجب هنا (في الصورة الثالثة) أن نبحث عن أمرين لا بد من ذكرهما، وإيراد ما يرد عليهما.

الأول: جواز البيع، يرد عليه أنه كيف جاز هذا البيع عند الحنفية مع أن ذكر الشرط بعد العقد يلتحق بالعقد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، ولو بعد مجلس العقد، فيصير بيع الوفاء كأنه شرط في العقد، وإن ذكراه بعد انتهاء المجلس.

والجواب أن هذا مذهب الإمام أبي حنيفة، وقد خالفه صاحباه (الإمام أبو يوسف والإمام محمد بن الحسن) في ذلك، وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة أيضًا. فعندهما لا يلتحق الشرط بعد العقد، وهو الراجح عند الأحناف.

قال الشامي: قيل يلتحق عند أبي حنيفة، وقيل لا، وهو الأصح كما في جامع الفصولين في الفصل رقم ٣٩، لكن في الأصل أنه يلتحق عند أبي حنيفة، وإن كان الإلحاق بعد الافتراق عن المجلس. وتمامه في البحر. قلت: هذه الرواية الأخرى عن أبي حنيفة، وقد علمت تصحيح مقابلها، وهي قولهما (١) .

الثاني: مسألة لزوم الوعد والوفاء بالعهد.

قال الطيبي: (واعلم أن الوعد أمر مأمور الوفاء به في جميع الأديان، حافظ عليه الرسل المتقدمون، قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: ٣٧] ومدح ابنه اسماعيل يعني جد نبينا عليهم السلام بقوله عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤] يقال: إنه وعد إنسانا في موضع، فلم يرجع إليه فأقام عليه حتى حال عليه الحول) (٢) .

فكان إيفاء الوعد أمرًا مأمورًا به في جميع الشرائع، وقد قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} . [الإسراء:٣٤]

- وهذا كله ديانة، ولكن اختلف الفقهاء في أنه هل يجب على الواعد الوفاء بالوعد قضاءً أيضًا، فالمشهور أن الوعد عند فقهاء الحنفية لا يكون ملزمًا في القضاء، ولكن قد صرح كثير من متأخري فقهاء الحنفية أن المواعدة قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس. قال قاضيخان رحمه الله تعالى:

(وإن ذكرا البيع من غير شرط، ثم ذكرا الشرط على وجه المواعدة، جاز البيع، ويلزم الوفاء بالوعد، لأن المواعدة قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس) (٣) .

وقال الشامي: (وفي جامع الفصولين أيضًا: لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العقد، جاز البيع، ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازمًا لحاجة الناس) (٤) .


(١) شامي، رد المحتار: ٥/٨٤.
(٢) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لملا علي القاري، المكتبة الإمدادية، ملتان (باكستان) .
(٣) الفتاوى الخانية بهامش الهندية: ٢/١٦٥.
(٤) رد المحتار: ٥/٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>