للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن هذا الإشكال على ما ظهر لي - والله سبحانه أعلم - أن الفرق بين المسألتين ليس في الصورة فحسب، بل هناك فرق دقيق في الحقيقة أيضًا، وذلك أن العقد الواحد إن كان مشروطًا بالعقد الآخر، والذي يعبر عنه بالصفقة في الصفقة لا يكون عقدًا باتًّا، وإنما يتوقف على عقد آخر، بحيث لا يتم العقد الأول إلا به، فكان في معنى العقد المعلق أو العقد المضاف إلى زمن مستقبل. فإذا قال البائع للمشتري: بعتك هذه الدار على أن تؤجر الدار الفلانية لي بأجرة كذا فمعناه أن البيع موقوف على الإجارة اللاحقة، ومتى توقف العقد على واقع لاحق خرج من حيز كونه باتًّا، وصار عقدًا معلقًا، والتعليق في عقود المعاوضة لا يجوز. ولو حكمنا بمقتضى هذا العقد وامتنع المشتري من الإجارة، فإن ذلك يستلزم أن يرتفع البيع تلقائيًا، لأنه كان مشروطًا بالإجارة، وعند فوات الشرط يفوت المشروط. فالعقد إن شرط معه عقد آخر، كان ذلك في معنى تعليق العقد الأول على العقد الثاني، وصار كأنه قال: إن أجرتني الدار الفلانية بكذا، فداري بيع عليك بكذا. وهذا مما لا يجيزه أحد، لأن البيع لا يقبل التعليق.

وهذا بخلاف ما لو ذكرا ذلك على سبيل المواعدة في أول الأمر، ثم عقدا البيع مطلقًا عن شرط فإن البيع ينعقد من غير تعليق بيعًا تامًّا، ولا يتوقف تمامه على عقد الإجارة، فلو امتنع المشتري من الإيجار بعد ذلك، فإنه لا يؤثر على هذا البيع البات شيئًا، فيبقى البيع تامًّا على حاله. وغاية الأمر أن يجبر المشتري على الوفاء بوعده على القول بلزوم الوعد، لأنه أدخل البائع في البيع بوعده، فلزم عليه أن يفي بذلك الوعد قضاء عند المالكية، وهذا شيء لا أثر له على البيع البات الذي حصل بدون أي شرط، فإنه يبقى تامًّا ولو لم يف المشتري بوعده.

وبهذا تبين أن البيع إذا اشترط فيه العقد الآخر يبقى مترددًا بين التمام والفسخ، وإن هذا التردد يورث فيه الفساد، بخلاف البيع المطلق الذي سبقه الوعد بالشيء، فإنه يتم في كل حال، وغاية الأمر أن يكون الوعد السابق لازمًا على المشتري على قول من يقول بلزوم الوعد) (١) .


(١) الطرق المشروعة للتمويل العقاري، للقاضي محمد تقي العثماني.

<<  <  ج: ص:  >  >>