وقال الحطاب:(وقال الراجَراجي: اختلف في بيع الثنايا، هل هو بيع أو رهن، على قولين، وفائدة الخلاف في ذلك الغلة، فمن رأى أنه بيع، قال: لا يرد الغلة، وقد قال مالك في العُتبية: الغلة للمشتري بالضمان، فجعله بيعًا وأنه ضامن، والغلة له. ومن رأى أنه رهن قال: يرد الغلة، وأنه ضمان البائع في كل عيب ونقص يطرأ عليه من غير سبب المشتري، وما كان من سبب المشتري فهو ضامن له، وحكمه حكم الرهان في سائر أحكامها فيما يعاب عليه. ونقله ابن سلمون، قال ابن عبد العزيز قد قيل: إن بيع الثنايا فاسد مردود أبدًا، فات أو لم يفت، لأنه حرام محرم، وهو باب من أبواب الربا، ترد فيه البياعات والصدقات والأحباس، فإن وقع إلى أجل كان فيه الكراء، لأنه كالرهن، وإن وقع إلى غير أجل فلا كراء فيه، والذي عليه أكثر العلماء، وهو مذهب مالك وابن القاسم أنه لا كراء فيه كان إلى أجل أو إلى غير أجل، لأنه بيع فاسد عندهم، وبذلك العمل) .
قال في المتيطية:(وإن علم أن أصل الشراء كان رهنًا، وإنما عقدا فيه البيع لتسقط الحيازة فيه، وثبت ذلك بإقرارهما عند الشهود حين الصفقة أو بعدها، وقبض المبتاع الملك وغلته ثم عثر على فساده، فإنه يفسخ، ويرد الأصل مع الغلة إلى صاحبه، ويسترجع المبتاع ثمنه) . اهـ. قلت: ومثله بل أحرى منه ما إذا علم أن قصد المتبايعين إنما هو السلف بزيادة وتحيلا ببيع الثنايا على ذلك من غير قصد إلى البيع، وثبت ذلك بإقرارهما كما قال حين الصفقة أو بعدها. وهذا ظاهر، وهذا كله إذا قبض المشتري المبيع واستغله إما بكراء أو بسكنى، وأما ما يقع في عصرنا هذا، وهو مما عمت به البلوى. وذلك أن الشخص يبيع الدار مثلًا بألف دينار، وهي تساوي أربعة آلاف أو خمسة، ويشترط للمشتري أنه متى جاء بالثمن ردها إليه، ثم يؤجرها المشتري لبائعها بمائة دينار في كل سنة قبل أن يقبضها المشتري وقبل أن يخليها البائع من أمتعته، بل يستمر البائع على سكناها إن كانت محل سكناه أو على وضع يده عليها وإجارتها، وأخذ منه المشتري الأجرة المسماة في كل سنة، فهذا لا يجوز بلا خلاف، لأن هذا صريح الربا. ولا عبرة بالعقد الذي عقداه في الظاهر، لأنه إنما حكم بالغلة للمشتري في البيع الفاسد لانتقال الضمان إليه، والخراج بالضمان. وهنا لم ينتقل الضمان، لبقاء المبيع تحت يد بائعه فلا يحكم له بالغلة، بل لو قبض المشتري المبيع، وتسلمه بعد أن أخلاه البائع، ثم أجره المشتري للبائع على الوجه المتقدم، لم يجز، لأن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو، كما هو مقرر في بيوع الآجال، وآل الحال إلى صريح الربا وهذا واضح لمن تدبره) (١) .