إن هذا العقد وصع توصلًا لإقرار حلية ما تعارف الناس عليه وتعاملوا به وكانوا في حاجة إليه حتى لا يقعوا في محظور الربا، والضرورات قد تبيح المحظورات.
وكان هذا الوضع اعتمادًا على المبدأ العام للاستحسان والمصلحة العامة والمقصد العام للشريعة من أنه لا ضرر ولا ضرار.
ثم إن القواعد الناهية قد تترك بالتعامل المستمر.
وقد ذكر النسفي اتفاق فقهاء عصره عليه.
وذكر شيخ الإسلام بيرم (أن احتياج الناس الشيء وتعاملهم به أصلان كبيران في المذهب وفي قاعدة الحاجة تتنزل منزلة الضرورة من الأشباه، ومنها الإفتاء بصحة بيع الوفاء.
ومما لا ريب فيه أن الناس إذا كانت لهم حاجة إليه في العصور السابقة على فضلها فهم إليه في هذا العصر على وضوح اختلاله أحوج) .
من رسالة محمد بيرم الثاني في بيع الوفاء، مخطوطة (١) .
الحيلة في بيع الوفاء:
قد رأينا أن بعض الفقهاء يعرفون بيع الوفاء بأنه عقد أحدث تحيلًا لتحصيل الأرباح من طريق مباح. وقال عنه آخرون هو بيع تعارفه أهل هذا الزمان احتيالًا للربا.
(١) شيخ الإسلام محمد بيرم الثاني ولد ١٦ ذي القعدة الحرام ١١٦٢هـ الملاقي ٢٨ من شهر أكتوبر ١٧٤٨م. عالم جليل، فقيه كبير اشتهر بالتعمق العلمي مع الصلاح والتقوى تولى قضاء تونس والإفتاء بها. له من التآليف رسالته في بيع الوفاء، ورسالة في الوصية، وأخرى في تراجم المفتيين بتونس، ورسالة في تراجم سلاطين آل عثمان وبايات تونس. توفي في ١٦ جمادى الأولى سنة ١٢٤٧هـ الملاقي ٢٣ أكتوبر ١٨٣١م. ورسالته عن بيع الوفاء اعتمدت كتبًا في المذهب الحنفي ثبت لها الاصطفاء كالخانية والعمادية وجامع الفصولين والبزازية وغيرها. رتبها على مقدمة وعشرة فصول عنون فصلها الأول بما يرجح الوفاء إليه من العقود. وأما المقدمة فحوت اسمه ومسماه والتعريف به وبحكمه واختلاف الفقهاء في شأنه. وهذه الرسالة المخطوطة من أجلِّ ما ألف في موضوع بيع الوفاء.