فالحيلة إذًا موجودة في عقد بيع الوفاء تكسوه سماحة الحيلة وتبعده عن شبهة الحرمة وتعبِّد الطرق طرق الفتوى لتسهيل حركية التعامل به.
والحيل التي حفل بها تاريخ الفقه الإسلامي والتي يسميها اليوم علماء القانون الحيل القانونية هي فتاوى يطلقها الفقهاء إزاء حدوث مشاكل ونزول قضايا يصعب حلها وقد توقع أصحابها في ضيق وحرج. فيقع السعي للتخلص منها بالطرق والمسالك الملتوية ويفزع إليها الفقهاء لإيجاد الفتوى فيما يطرح عليهم من أسئلة.
وقد ألف فيها أبو بكر أحمد بن عمر بن مهير الشيباني الخصاف الفقيه الحنفي المتوفى ٢٦١هـ/ ٨٧٥م ببغداد كتابًا مطبوعًا سماه ((الحيل والمخارج)) .
كما خصها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية المتوفى سنة ٧٥١ بحديث طويل الذيل في كتابه ((إعلام الموقعين)) ج٥ من صفحة ٣٤٠، وهو يقسم الحيل إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول حيل محرمة من كبائر الإثم وأقبح المحرمات وهي من التلاعب بالدين، فهي حرام في نفسها لكونها كذبًا وزورًا وحرام من جهة المقصود بها وهو إبطال حق أو إثبات باطل، وأبرز مثال لها نكاح المحلل ((التياس)) .
والقسم الثاني أن تكون الحيلة مشروعة وما تفضي إليه مشروعًا وتكون بسلوك واتخاذ الأسباب المشروعة توصلًا إلى الكسب الحلال وهذا القسم قد لا يعد من الحيل على حد تعريف الفقهاء.
والقسم الثالث أن يحتال توصلًا للحق أو توصلًا لدفع مظلمة بطريقة مباحة لم توضع في الأصل موصلة إلى ذلك بل وضعت لغيره فتتخذ طريقًا لهذا المقصد الصحيح.
والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن الوسيلة في الأول وضعت موصلة إلى نفس الغاية فسالكها يسلك الطريق المعهود وفي الثاني الوسيلة كانت تفضي إلى غيره فيقع التوصل بها إلى من توضع له.
والعبارة الجامعة أن الحيل منها ما هو من نوع يعد هدمًا لمقاصد الشريعة في التحليل والتحريم وهذه محرمة قطعًا، ومنها ما هو من النوع الذي يسهل المقاصد وييسرها للوصول إلى الحقوق الشرعية من غير أن تقف القيود والشروط الفقهية في سبيل ذلك.
فالاحتيال للوصول إلى الحقوق الشرعية أو دفع المظالم والمضار قد يكون مباحًا إذا سلك طرقًا مباحة. ولذا فإن الحيل لا يمكن مطلقًا أن تقع في العبادات وإنما تقع في المعاملات.