وأما من حكم بعدم التبعية إطلاقًا فاعتماده أحاديث منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:((الرهن محلوب ومركوب)) ووجه الدليل من ذلك أنه لم يرد بقوله: ((مركوب ومحلوب)) أي يركبه الراهن ويحلبه، لأنه كان يكون غير مقبوض وذلك مناقض لكونه رهنًا فإن الرهن من شروطه القبض قالوا أيضًا: ولا يصح أن يكون معناه أن المرتهن يحلبه ويركبه، فلم يبق إلا أن المعنى في ذلك أن أجرة ظهره لربه ونفقته عليه واستدلوا أيضًا بعموم قوله عليه السلام:((الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه)) ثم أضافوا أيضًا بأنه نماء راكد على ما تم الاتفاق عليه فوجب أن لا يكون له إلا بشرط زائد.
وعمدة مالك أن الولد حكمه حكم أمه في البيع فهو تابع لها بينما الثمر لا يتبع الشجر إلا إذا نص على ذلك وولد الجارية يتبع عنده بغير شرط والجمهور على أن المرتهن ليس له أن ينتفع بشيء من الرهن.
ولا نستطيع إلا أن نقول بأن حجة الجمهور هنا أقرب إلى الصواب في نظرنا من التبعيض الذي اختاره إمامنا مالك رضي الله عنه. واختلفوا في ضمان الرهن يهلك عند المرتهن فممن ضمانه؟ الشافعي وأحمد وأبو ثور وجمهور أهل الحديث قالوا بأن الرهن أمانة، فالقول قول المرتهن مع يمينه أنه ما فرط فيه وما جنى عليه.
أما أبو حنيفة وجمهور الكوفيين فقالوا: الرهن من المرتهن ومصيبته منه فأبو حنيفة وجماعة قالوا: إن الرهن مضمون بالأقل من قيمته أو قيمة الدين.
وعزت جماعة لعلي بن أبي طالب أنه مضمون بقيمته قَلَّت أو كثرت، وإن بقي للراهن شيء فوق دينه أخذه من المرتهن.
وفرق مالك وجماعة بين ما يغاب عليه وما لا يغاب عليه فقال: هو ضامن فيما يغاب عليه ومؤتمن فيما لا يغاب عليه، وأضاف مالك أنه إذا شهد الشهود بهلاك ما يغاب عليه من غير تضييع ولا تفريط فإنه لا يضمن، وقال الأوزاعي: بل يضمن.
أما اختلاف الراهن والمرتهن في قدر الرهن فقال مالك: القول قول المرتهن فيما ذكره من قدر الحق ما لم تكن قيمة الرهن أقل من ذلك (١) .
(١) انظر هذه الأقوال مفصلة في بداية المجتهد: ٢/٢٧٠.