المبحث الخامس
بيع الوفاء
هذا إجراء أجازه فقهاء الحنفية وغير جائز عند بقية المذاهب، وهو بيع من حيث نقل ملكية العين إلى الشاري بثمن معلوم، غير أن حق الملكية في هذا النوع يعتبر مؤقتًا لاتفاق الطرفين على أن يرجعا إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام عقد البيع، ومن هنا أفتى فقهاء المذاهب الأخرى بعدم جوازه لأن المبيع من خصائصه نقل حق الملكية إلى من دفع الثمن، ويكون بإمكان الشاري أن ينقل ذلك الحق إلى من أراد، إذ من مسلمات البيع تمكين الشاري من حق التصرف، والتفويت في العين المبيعة دون عائق، وكل شرط ينافي هذا الحق يبطل حق البيع، وقد أشارت المجلة إلى هذا النوع من البيع، وبينت أوجه الشبه بينه وبين الرهن في المادة ١١٨ بقولها:
(بيع الوفاء هو بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع وهو في حكم الجائز بالنظر إلى انتفاع المشتري به وفي حكم البيع الفاسد بالنظر إلى اقتدار كل من المتعاقدين على الفسخ وفي حكم الرهن بالنظر إلى أن المشتري لا يقدر على بيع المبيع من الغير) .
قال سليم رستم باز في شرحه لهاته المادة، بأن بيع الوفاء صحيح في العقار على الإطلاق أما في المنقول فعلى الخلاف ولعله يقصد بكلمة الإطلاق الحكم عند الأحناف، لأن بقية فقهاء المذاهب غير جائز عندهم في العقار وفي غيره.
وقال حيدر أفندي: إن مشائخ الإسلام كانوا يفتون بعدم الجواز، وعندما وردت المسألة في المجلة أجازوه، وأيضًا أن مشائخ الإسلام هنا يعني بها مفهوم المذهب الرسمي عند العثمانيين، لأن غير فقهاء الأحناف لم يسكتوا عن المسألة ولم يقبلوا بها، قبل المجلة ولا بعدها.
وبيع الوفاء يشابه الرهن من عدة وجوه منها:
١- كون المشتري لا يقدر على تفويت العين محل البيع.
٢- وهو كالرهن لأن بيع الوفاء لا يتم إلا بالقبض.
٣- إذا هلك المحل قبل القبض لم يسقط من الدين المعتبر ثمنًا أي شيء.
٤- إن هلك البائع قبل القبض استوى المشتري مع بقية الغرماء.
لذا ومن حيث المبادىء العامة حسب نص المجلة نستطيع القول بأن بيع الوفاء نوع من الرهن، ولكن من حيث وجهة نظر المذاهب الأخرى هو إجراء غير جائز إطلاقًا.
ولقد تأرجح هذا الإجراء بين البيع والرهن لكنه استقر من تاريخ وضع المجلة على أنه بيع (١) .
(١) انظر ما قاله صديقنا العلامة وهبة الزحيلي في الموضوع في كتابه: ج ٤، هامش ص٤٨ ثم ذكره في صفحات ٢٤٢ و ٤٨٥ و ٥١٤.