للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحب أن أركز على أمرين اثنين فقط، اختصارًا للوقت وتنفيذًا لتوجيهات المجمع في بحث هذه الأمور.

أولًا: تعريف بيع الوفاء، ثم صورته، وبعد ذلك تكييفه بناء على الأصل الذي يعتمد عليه، فتعريفه هو (بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع) . وهذا التعريف لا ينطبق مع تعريف البيع، لأن المقصود في البيع هو الملك على سبيل التأبيد، وفي هذا مخالفة ومنافاة لمقتضى عقد البيع، فلا يمكن بحال من الأحوال تطبيق عقد البيع على مثل هذا البيع المذكور، أو المسمى ببيع الوفاء، أو ببيع الأمانة عند الحنابلة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ورد عليه ردًّا واضحًا وقويًّا وأبطله بطلانًا نهائيًّا لا شبهة فيه بناء على أن القصد والاعتبار في العقود هو للمعاني وليس للألفاظ والمباني، وهذه القاعدة الشرعية التي لا يجوز هدمها وهي أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبادات كما هي معتبرة في التقربات. والاعتقاد يجعل الشيء - كما هو معلوم - حلالًا وحرامًا، ويجعل الشيء صحيحًا وفاسدًا، ويجعله طاعة ومعصية، ومن لم يراع القصود كما قال شيخ الإسلام ابن القيم في العقود وجرى مع ظواهرها يلزمه أن لا يلعن العاصر للخمر للعنب بقصد تخميره، ويجوز له أن يعطيه أجرة على ذلك إذا ظهر منه قصد العصر للخمر، وأن يقضي له بالأجرة لعدم تأثير القصد في العقد عنده، وعلى هذا فمن بنى من الفقهاء هذا العقد على ظاهر ما جرى بين المتعاقدين بناء على القاعدة الأخرى المقابلة لقاعدة الاعتبار في العقود للمعاني وليست للألفاظ والمباني، حيث أن هناك قاعدة أخرى تقول: ((إن العبرة للألفاظ)) ، فقد طبق قول العلماء في غير محله، ذلك أن الشافعي - رضي الله عنه - عندما قال هذه القاعدة لم يقصد بهذه القاعدة حيث مخالفة القصد للمعنى، وإنما قصد بذلك (حين الاحتمال) فحينما يظهر قصد يخالف كلامه يجب حمل الكلام على الظاهر، إذا لم يظهر قصد يخالف ظاهر الكلام يجب حمل الكلام على الظاهر، والأدلة على هذا كثيرة والشافعي - رضي الله عنه - إنما ذكر هذا القول حينما يكون الكلام محتملًا للظاهر ومحتملًا لقصد آخر، أما إذا ظهر من العقد الذي يجريه المتعاقدان قصد يخالف ظاهر المعنى فكلام الشافعي لا ينطبق على هذه القاعدة عنده، ومعلوم أن النية هي روح العمل ولبه وقوامه - كما قال شيخ الإسلام ابن القيم - أخذًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى)) ، ولو أخذنا بظواهر ما يجري من الأقوال بين المتعاقدين لما حرمنما بيع السلاح لمن يقتل به مسلمًا، ولما حرمنا عصر الخمر لمن يعصره، ولما حرمنا الربا حين يذكر بلفظ البيع، ولما حرمنا الزنا حينما يصير حرية، ولما حرمنا عبادة غير الله حينما يسمى تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى، فنقول بناء على تعريف الحنفية لهذا العقد وأن المقصود منه هو استفادة من أخذ المبيع مدة بقاء الدين في ذمة المدين، أنه لم يكن القصد به في حال من الأحوال تملك المبيع، فقصد البائع هو الاستفادة بالمال المرهون - هذا المال الذي أخذه - ليستمتع به، ومقصود البائع هو الاستفادة بهذا المبيع مدة بقاء الدين في ذمة المدين، وعلى ذلك لا يعتبر بحال من الأحوال بيعًا لأن البيع على التأبيد وليس مؤقتًا بحال من الأحوال، إنما هو له شبه بالرهن، والرهن يبقى الكلام فيه في المحور الثاني، وهو هل يجوز استفادة المرتهن بالرهن، أو لا يجوز استفادة المرتهن بالرهن؟ هذا خلاف مبني على ثلاثة أحايث: ((لا يغلق الرهن من صاحبه له غنمه وعليه غرمه)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل قرض جر نفعًا فهو ربا)) ، فإذا كان الرهن فيه قرض فلا يجوز بحال من الأحوال الاستفادة بالمرهون، وإذا كان صاحب الرهن ينفق عليه إذا كان يحتاج إلى نفقة ومؤونة فلا يجوز كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>