بيع الوفاء هل هو عقد جديد كما يقول بعض الباحثين؟. الواقع إنه ليس عقدًا جديدًا وقد أشار إلى هذه الحقيقة الشيخ التسخيري، وأزيدها وضوحًا بما جاء في البحث الذي قدمه الشيخ خليل من فتوى الإمام مالك في هذه المسألة، الجديد هو التسمية فقط عند الحنفية، التسمية هي الجديدة أما حقيقة البيع فهو موجود منذ عهد مالك، وواضح كما فهمنا من البحوث التي قدمت أن الجمهور على منعه، وأن الحنفية الذين أجازوه اختلفوا فيما بينهم، وبهذه المناسبة أقول: إن ما سمعته من الشيخ العثماني لا يتفق مع ما يقرره فقهاء الحنفية، والعقد عندهم لا بد فيه من الشرط حتى إذا ما اشترط فلا يسمونه عقد بيع وفاء، وعباراتهم واضحة في هذا. ابن عابدين يقول: أن يبيعه العين بألف على أنه إذا رد عليه الثمن رد عليه العين، وهذا شرط واضح وكل تعريفاتهم نحو هذا المعنى، فهذه هي الصورة التي اختلف فيها الحنفية.
الشيخ التسخيري ذهب إلى الجواز بناء على مذهبهم، وحاول الرد على أدلة المانعين، ولكن هناك دليل على المنع هو في رأيي أقوى الأدلة لم يتعرض إليه، وقد ذكره المالكية وهو: أن هذا البيع هو سلف جر منفعة، هذه هي حقيقته، سلف جر منفعة، وقال هذا سحنون في المدونة، لأنه كأن المبتاع أسلف البائع الثمن على أن ينتفع بالمبيع حتى يرد إليه ما أسلفه، فالذي يأخذ بهذه القاعدة ((أن كل سلف جر منفعة فهو ربا)) عليه أن يمنع بيع الوفاء هذا أو بيع الثنيا على الاختلاف في تسمياته.
والشيخ التسخيري - أيضًا - في رده أراد أن يدفع الغرر عن هذا البيع بهذه الصورة، والواقع أن الغرر في هذا واضح، وهو غرر في صيغة العقد، وليس غررًا في المحل، فإنما هو غرر في الصيغة، لأن هذا العقد قد يتحقق وقد لا يتحقق، يعني قد يرد إليه الثمن ويأخذ المبيع وقد لا يفعل، وهذا هو مفهوم الغرر، ما كان مستور العاقبة، وبخاصة إذا كانت المسألة ليس فيها أجل، متى يرد؟ يكون فيه غرر من ناحيتين لأنه ليس معروفًا هل سوف يحصل هذا أو لا يحصل، وإذا حصل متى يحصل؟ وهذا كله غرر، لكن أنا اعتمادي في المنع على أنه سلف جر منفعة. والقول بأنه إنما استعمل فرارًا من الربا، لا هذا ليس دليلًا والواقع أنه لم يستعمل فرارًا من الربا وإنما استعمل حيلة، هو استحلال للربا باسم البيع. فلا يمكن أن نقول: إنه فرار من الربا.