قال الكحال بن طرخان في كتابه الأحكام النبوية في الصناعة الطبية بعد أن استعرض المعاني المختلفة لكلمة الطب (واعلم أن هذا الحديث فيه احتياط وتحرز على الناس وحكم سياسي مع ما فيه من الحكم الشرعي، إذ في ذلك خطر شديد. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من تطبب)) ولم يقل من طبَّ، لأن لفظ المتطبب يدل على المتعلم للطب أو المتعاطي له. وتطبب على وزن تفعل ومعناه للتعاطي، أي تعاطي علم الطب، ولم يكن من أهله لأن تفعل قد تأتي بمعنى إدخال المرء نفسه في أمر حتى يضاف إليه أو يصير من أهله كقولك تشجعت وتكرمت. قال الراجز:(وقيس عيلان ومن تقيسا) .
(والطبيب هو العالم بالطب المتمكن الحاذق فيه. ومعناه (أي الحديث) : من تعاطى فعل الطب ولم يتقدم له به اشتغال ومزاولة معالجة، وتدرب مع الفضلاء فيه، فقتل بطب فهو ضامن، لأن غالب من هذه حاله أن يكون قد تهجم على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه فيكون قد غرر بالمهج فيلزمه الضمان لذلك. فأما من سبق له اشتغال بصناعة الطب وكثرة تجارب، وأجازه علماء الطب ورؤساؤه فهو جدير بالصواب، وإن أخطأ بعد بذل الاجتهاد الصناعي أو عن قصور الصناعة نفسها فعند ذلك لا يلزمه لومة لائم. قال الخطابي: لا أعلم خلافًا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا أو عملًا لا يعرفه متعد، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القود، لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض. وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته) .
وقال ابن القيم في الطب النبوي بعد أن نقل العبارة السابقة:
(قلت الأقسام خمسة: (أحدها) : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، ولم تجن يده فتولد من فعله المأذون من جهة الشارع، ومن جهة من يطبه، تلف العضو أو النفس، أو ذهاب صفة. فهذا لا ضمان عليه اتفاقًا، فإنها سراية مأذون فيه) .