وهذا القسم مهم جدًّا فقد أوضح ابن القيم رحمه الله كي يكون عمل الطبيب مأذونًا فيه لا بد من:
١- إذن الشارع وهي الجهة الحكومية التي تسمح للطبيب بممارسة مهنته وما تضعه فيه من لوائح وأنظمة حتى لا يدخل في هذه المهنة من ليس أهلًا لها ولم يتم تدريبه وتعلمه الطب في معاهد الطب وعلى أيدي الأطباء الأساتذة.
٢- إذن المريض إذا كان عاقلًا بالغًا أو وليه إذا كان قاصرًا أو فاقدًا للوعي أو مجنونًا.
وما أحسن هذا الموقف النبيل الذي يخلي الطبيب من المسؤولية متى حصل على هذين الإذنين ومتى ما كان عمله حسب قواعد الطب المعروفة ولم يتعد فيها ولم تخطىء يده وأعطى الصناعة حقها. وهو أمر لم يصل إليه الغرب إلى اليوم، حيث يعتبر الطبيب مسؤولًا ويضمن رغم أنه أعطى الصناعة حقها وكان مأذونًا له في عمله من جهة الشارع وجهة المريض.. وخاصة في الولايات المتحدة فيكون ذلك إجحافًا في حق الطبيب.
ثم يقول ابن القيم:(وقاعدة الباب أن سراية الجناية مضمونة بالاتفاق، وسراية الواجب مهدرة بالاتفاق، وما بينهما ففيه النزاع) .
أي أن الطبيب إذا لم يكن مأذونًا له من جهة الشارع أو من جهة المريض أو وليه فإنه يكون ضامنًا لأن فعله ذاك جناية. ويستثني من ذلك حالات الإسعاف الطارئة، وحين يكون المريض فاقدًا للوعي أو قاصرًا أو مجنونًا ولا يوجد له ولي ليستأذن.
وإذا كان المريض قد أذن إلا أن المتعاطي للطب جاهل بالطب أو بهذا الفرع من الطب والمريض لا يعلم بحال الطبيب يضمن ما جنت يده لأنه متعد.
قال ابن القيم:(والقسم الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف بهذا، فهذا إن علم المجنى عليه أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن ولا يخالف هذه الصورة ظاهر الحديث فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل وأوهمه أنه طبيب وليس كذلك. [هذا لا يمنع السلطات أن تعاقبه على تعديه وممارسته الطب دون إذن الشارع أو المحتسب أو وزارة الصحة ... إلخ] .
(وإن ظن المريض أنه طبيب وأذن له في طبه لأجل معرفته ضمن الطبيب ما جنت يده، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه فتلف به، ضمنه. والحديث ظاهر فيه أو صريح) .