للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولله در النووي حينما رجح القول بالتداوي وأنه قول جمهور السلف قال: (وحجة العلماء هذه الأحاديث ويعتقدون أن الله تعالى هو الفاعل، وأن التداوي هو أيضًا من قدر الله، وهذا كالأمر بالدعاء، وكالأمر بقتال الكفار، وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة، مع أن الأجل لا يتغير والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها ولا بد من وقوع المقدرات) (١) .

ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن علمها بالطب قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره فكانت تقدم إليه وفود العرب من كل وجه فينعت لهم الإنعات، فكنت أعالجه) (٢) .

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ((كان يديم التطبيب في حال صحته ومرضه، وأمر بالمداواة في عدة أحاديث صحيحة كما أمر أبي بن كعب أن يأتي الطبيب فقطع منه عرقًا ثم كواه عليه)) (٣) .

وكان يراعي صفات الأطعمة وطبائعها، ويراعي استعمالها على قاعدة الطب.

وبلغ من اهتمامه بهذا الأمر أن منع صلى الله عليه وسلم من ليس أهلًا لهذا العمل من التطبيب وجعله ضامنًا لما يحدث من ضرر بالمريض (٤) . وقد فهم الصحابة أن ضمان النفس مطلوبة ولذا امتنع عمرو بن العاص من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب خوفًا على نفسه منه وتيمم ولما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قرر قوله (٥) .

ثم أورد ابن القيم جملة من الأحاديث الصحيحة وقال: في هذه الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والبرد بأضدادها، بل لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح في نفس المتوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزًا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلًا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا، ولا توكله عجزًا (٦) .


(١) النووي على مسلم: ١٤/١٩١.
(٢) صفة الصفوة، لابن الجوزي: ٢/٣٣؛ وتخريج الدلالات السماعية: ص٦٧٧.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي: ١٤/١٩١.
(٤) الطب النبوي، لابن القيم: ص٤٠ - ٤١.
(٥) الجامع لأحكام القرآن: ٥/١٥٦.
(٦) الطب النبوي: ص١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>