للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا - الطبيب غير المسلم:

للعلماء في الاستعانة بالأطباء غير المسلمين رأيان:

الرأي الأول:

ذهب أتباع هذا الرأي إلى القول بجواز أن يستطب أهل الذمة فيما لا يتعلق بالدين. وهو قول الحنفية (١) ، والشافعية (٢) والحنابلة (٣) في رواية عندهم.

واستدلوا لرأيهم بأن ذلك نوع من الانتفاع بآثار الكفار والمنافقين في أمور الدنيا، وأن هذا جائز، كما يجوز السكنى في ديارهم، ولبس ثيابهم وسلاحهم، وكما تجوز معاملتهم على الأرض، كما عامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود خبير، وكما استأجر النبي صلى الله عليه وسلم هاديًا خريتًا وأتمنه على نفسه وماله، كما أن المشركين وأهل الكتاب فيهم المؤتمن كما قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (٤) .

ولهذا جاز ائتمان أحدهم على المال، وجاز أن يستطب المسلم الكافر إذا كان ثقة، نص على ذلك أحمد وغيره، إذ ذلك من قبول خبرهم فيما يعلمونه من أمر الدينا، وائتمان لهم على ذلك وهو جائز، ولأن كتبهم الطبية لم يكتبوها لمعين من المسلمين حتى تدخل فيها الخيانة بل هي مجرد انتفاع بآثارهم (٥) . وقد روي أن الحارث بن كلدة وكان كافرًا أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستطبوه (٦) .

وقد أيد ابن القيم اتجاه أصحاب الرأي الأول فقال بعد أن ذكر قصة استئجار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط هاديًا وقت الهجرة وهو كافر، دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة، والحساب والعيوب ونحوها، ولا يلزم من مجرد كونه كافرًا أن لا يوثق به في شيء أصلًا، فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما مثل طريق الهجرة (٧) .

واستدل أبو الخطاب من قصة صلح الحديبية وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عينًا له من خزاعة وقبول خبره، أن فيه دليلًا على جواز قول المتطبب فيما يخبر به عن صفة العلة، ووجه العلاج إذا كان غير متهم فيما يصفه، وكان غير مظنون به الريبة (٨) .


(١) ابن عابدين: ٢/١١٦.
(٢) قليوبي وعميرة: ٣/٢١٢؛ وفتح الباري: ١٠/١٩٧.
(٣) الآداب الشرعية: ٢/٤٦٢، ٤٧٩.
(٤) سورة آل عمران: الآية ٧٥.
(٥) فتاوى ابن تيمية: ٤/١١٤ - ١١٥.
(٦) مختصر الفتاوي المصرية، للبعلي: ص٥٦٠؛ والتراتيب الإدارية: ١/٤٥٧ - ٤٥٨.
(٧) بدائع الفوائد: ٢/٢٠٨، طبعة دار الكتاب العربي، والآداب الشرعية: ٢/٤٦٣.
(٨) الآداب الشرعية: ٢/٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>