للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الممنوع فهو حل سحر بسحر مثله وهو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم من عمل الشيطان وعلى هذا النوع يحمل قول الحسن: (لا يحل السحر إلا ساحر) (١) .

وهناك طرق أخرى لعلاج المسحور ذكرها بعض المفسرين - تعتمد على المنامات - لم تقتنع نفسي إلى الأخذ بها (٢) .

الفرع الثاني: الاستشفاء بالقرآن الكريم:

ثبت في الصحيحين (٣) وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عالج بالقرآن الكريم، لأنه شفاء ورحمة كما بين الله تعالى ذلك في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ} (٤) .

ولفظ ((شفاء)) مطلق لم يقيد بكونه شفاء للقلوب فقط.

والاستشفاء إما أن يكون من الأمراض الروحانية وإما أن يكون من الأمراض البدنية.

أما عن الاستشفاء بالقرآن من الأمراض الروحانية فقد اتفقوا جميعًا على ذلك (٥) . وعللوا رأيهم بأن الأمراض الروحانية نوعان: الاعتقادات الباطلة والأخلاق المذمومة، أما الاعتقادات الباطلة فأشدها فسادًا الاعتقادات الفاسدة في الإلهيات والنبوات والمعاد والقضاء والقدر. والقرآن كتاب مشتمل على دلائل المذهب الحق في هذه المطالب، وإبطال المذاهب الباطلة فيها، ولما كان أقوى الأمراض الروحانية هو الخطأ في هذه المطالب والقرآن مشتمل على الدلائل الكاشفة عما في هذه المذاهب الباطلة من العيوب الباطنة لا جرم كان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض الروحاني، وأما الأخلاق المذمومة فالقرآن مشتمل على تفصيلها وتعريف ما فيها من المفاسد والإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة الكاملة والأعمال المحمودة فكان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض فثبت أن القرآن شفاء من جميع الأمراض الروحانية (٦) .

وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية، فإن للعلماء في هذه المسألة اتجاهين:

الاتجاه الأول:

وهو رأي القائلين بأن القرآن يتضمن شفاء الأبدان كما تضمن شفاء الأرواح.

وقال الرازي في نصرة هذا الرأي (٧) :

وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية فلأن التبرك بقراءته يدفع كثيرًا من الأمراض ولما اعترف الجمهور من الفلاسفة وأصحاب الطلسمات بأن لقراءة الرقى المجهولة والعزايم التي لا يفهم منها شيء آثارًا عظيمة في تحصيل المنافع ودفع المفاسد، فلأن تكون قراءة هذا القرآن العظيم المشتمل على ذكر جلال الله وكبريائه وتعظيم الملائكة المقربين وتحقير المردة والشياطين سببًا لحصول النفع في الدين والدنيا كان أولى ويتأكد ما ذكرنا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله تعالى)) (٨) .


(١) أعلام الموقعين: ٤/٣٩٦.
(٢) فتح الباري: ١٠/٢٣٣؛ وإرشاد الساري: ٨/٤٠٥؛ وابن عابدين: ٢/٥٩٤.
(٣) فتح الباري: ١٠/٢٠٩؛ وصحيح مسلم: ٤/٧٢٧، حديث رقم (٢٢٠١) .
(٤) سورة الإسراء: الآية ٨٢.
(٥) انظر: جميع التفاسير متفقة على ذلك.
(٦) التفسير الكبير للرازي: ٢١/٣٥؛ وانظر مدارج السالكين: ١/٥٢ - ٥٣.
(٧) التفسير الكبير للرازي: ٢١/٣٥، ومع هذا الاتجاه كذلك الألوسي في تفسيره: ١٥/١٤٥؛ وأبو حيان البحر المحيط: ٦/٧٤؛ وتفسير ابن عطية: ٩/١٧٥؛ والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ٩/٣١٦؛ وابن الجوزي في زاد المسير: ٥/٧٩؛ والشوكاني في فتح القدير: ٣/٢٥٣؛ والبرسوي في روح البيان: ٥/١٩٤.
(٨) لم أقف على تخريجه في كتب الحديث، وقال القرطبي في تفسيره: ٩/٣١٨: هو من كلام رجاء الغنوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>