للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكثر من أيد هذا الاتجاه ابن القيم حيث قال: وأما تضمنها لشفاء الأبدان: فنذكر منه ما جاءت به السنة، وما شهدت به قواعد الطب، ودلت عليه التجربة.

فأما ما دلت عليه السنة: ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري: ((أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب فلم يقروهم، ولم يضيفوهم. فلدغ سيد الحي فأتوهم. فقالوا: هل عندكم من رقية، أو هل فيكم من راق؟ فقالوا: نعم، ولكنكم لم تقرونا فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلًا، فجعلوا لهم على ذلك قطيعًا من الغنم، فجعل رجل منا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب. فقام كأن لم يكن به قلبه. فقلنا: لا تعجلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأتيناه، فذكرنا له ذلك، فقال: ما يدريك أنها رقية؟ كلوا واضربوا لي معكم بسهم)) (١) . فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه. فأغنته عن الدواء. وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء.

هذا مع كون المحل غير قابل، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين، أو أهل بخل ولؤم. فكيف إذا كان المحل قابلًا. ثم بين أنه جرب هذا الدواء شخصيًّا حينما أقام بمكة واستفاد منه فقال: (فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة، بحيث تكاد تقطع الحركة مني. وذلك في أثناء الطواف وغيره. فأبادر إلى قراءة الفاتحة، وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط. جربت ذلك مرارًا عديدة، وكنت آخذ قدحًا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مرارًا. فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك. ولكن بحسب قوة الإيمان، وصحة اليقين، والله المستعان (٢) . وقال في زاد المعاد (٣) : فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وبنحو هذا ذهب البرسوي عند تفسيره هذه الآية ثم ذكر شواهد من التجربة تدل على ذلك، فقال:

واعلم أن القرآن شفاء للمرض الجسماني أيضًا روي أنه مرض للأستاذ أبي القاسم القشيري، قدس سره، ولدٌ مرضًا شديدًا بحيث أيس منه فشق ذلك على الأستاذ فرأى الحق سبحانه في المنام فشكا إليه فقال الحق تعالى: اجمع آيات الشفاء واقرأها عليه واكتبها في إناء واجعل فيه مشروبًا واسقه إياه ففعل ذلك فعوفي الولد وآيات الشفاء في القرآن ست: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٤] ، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:٥٧] ، {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:٦٩] ، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢] ، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:٨٠] ، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت:٤٤] . (قال تاج الدين السبكي رحمه الله في طبقاته (٤) : ورأيت كثيرًا من المشايخ يكتبون هذه الآيات للمريض ويسقاها في الإناء طلبًا للعافية وقوله عليه السلام: ((من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله)) يشمل الاستشفاء به للمرض الجسماني والروحاني) .


(١) سبق تخريجه.
(٢) مدارج السالكين: ١/٥٢، ٥٧.
(٣) الجزء الرابع: ص٣٥٢.
(٤) انظر: طبقات الشافعية الكبرى: ٥/١٩٥ بتحقيق محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلوط عيسى الحلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>