للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ التميمي رحمه الله في خواص القرآن: إذا كتبت الفاتحة في إناء طاهر ومحيت بماء طاهر وغسل المريض وجهه عوفي بإذن الله فإذا شرب من هذا الماء من يجد في قلبه تقلبًا أو شكًّا أو رجفًا أو خفقانًا يسكن بإذن الله وزال عنه ألمه وإذا كتبت بمسك في إناء زجاج ومحيت بماء ورد وشرب ذلك الماء البليد الذي لا يحفظ بشربه سبعة أيام زالت بلادته وحفظ ما يسمع، فعلى العاقل أن يتمسك بالقرآن ويداوي به مرضه وقد ورد (القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم أما داؤكم فذنوبكم وأما دوؤكم فالاستغفار) فلا بد من معرفة المرض أولًا فإنه ما دام لم يعرف نوعه لا تتيسر المعالجة وأهل القرآن هم الذين يعرفون ذلك فالسلوك بالوسيلة أولى (١) .

واختار الألوسي أن تكون "مِنْ" في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ} [الإسراء: ٨٢] للتبعيض أي أنه باعتبار الشفاء الجسماني وهو من خواص بعض دون بعض، ومن البعض الأول الفاتحة وفيها آثار مشهورة (٢) ، ولكن الأكثرية على خلاف رأيه.

والطب النفساني أو الروحاني لا ينكر أهمية المعالجة الروحية، إذ هي فرع من الطب يبحث في العلاقات المتبادلة بين الجسم والنفس، لأن الحالة النفسانية كثيرًا ما تؤثر في البدن (٣) . لذا قال سقراط: ( ... وأن الخطأ الكبير في معالجة الجسم الإنساني في أيامنا هذه، هو أن الأطباء يفرقون بين الجسم والنفس) (٤) .

ولقد سمي علم الأمراض النفسية في تراثنا الإسلامي القديم ((بطب القلوب)) ووصف ابن القيم (٥) هذا النوع في وصفه للطبيب قائلًا: (أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان) .

وهكذا نجد أن علماءنا يربطون بين علل القلب والبدن، أي العلاقة بين الأمراض النفسية والأمراض العضوية، بل أدركوا أن المصاب بعلة بدنية حقيقية تتحسن حالته إذا ما رفعنا روحه المعنوية، وبشرناه بالشفاء العاجل، ولذا جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل، فإن ذلك لا يرد شيئًا وهو يطيب بنفس المريض)) (٦) . وقد شاهد الناس كثيرًا من المرضي تنتعش قواه بعيادة من يحبونه ورؤيتهم لهم ولطفهم ومكالمتهم إياهم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزور المريض ويسأله عن شكواه وعما يشتهيه ويضع يده الشريفة على جبهته ويدعو له ويصف ما ينفعه ويدخل السرور على قلبه.


(١) تفسير روح البيان للإمام إسماعيل حقي البرسوي: ٥/١٩٤، ١٩٥ وإلى كون القرآن دواء للأمراض الروحانية والجسمانية ذهب المناوي، انظر: فيض القدير: ٤/٥٣٦. وذكر قصة القشيري مع ولده السبكي في طبقاته: ٥/١٥٨.
(٢) روح المعاني للألوسي: ١٥/١٤٥ كما ذكر في نفس الصفحة قصة الإمام القشيري مع ولده المريض.
(٣) مدارج السالكين: ١/٥٨ دار الكتاب العربي، بيروت؛ وفيض القدير: ١/٣٤١.
(٤) الطب النبوي والعلم الحديث: ٣/١٣١.
(٥) الطب النبوي لابن القيم: ص١١٣.
(٦) فيض القدير: ١/٣٤١، وفي سنده مقال، وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح، والطب النبوي: ص٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>