للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الدراسات النفسية الحديثة أثبت الدكتور تالبوت (أن هناك نسبة عالية من حالات الصداع سببها نفسي، ويكفي مثالًا لتلك الصلة بينهما أن تكون قرحة المعدة أو الاثني عشر بتأثير الانفعال ويبين الطب الحديث أن كثيرًا من أمراض التوتر العصبي؛ أو سوء الهضم أو الإمساك أو الصداع أو الشلل أو فقد حاسة ما، أو نوبات صرعية.. أو غيرها تعرف هذه الأعراض باسم ((الأعراض المحولة)) لأن أسبابها الحقيقية أسباب غير جسمية، بل انفعالية أو عقلية، ثم تحولت إلى أمراض جسمية) (١) . وهكذا نجد أن الأطباء - كما قال الألوسي - (معترفون بأن من الأمور والرقى ما يشفى بخاصية روحانية، ومن ينكر فلا يعبأ به) (٢) .

وقد أجاز كثير من العلماء الاستشفاء بالقرآن بأن يقرأ على المريض أو الملدوغ الفاتحة، أو يكتب في ورق ويعلق عليه أو في طست ويغسل ويسقى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه كان يعوذ نفسه، وكذلك أجازوا أن يشد الجنب والحائض التعاويذ على العضد، إذ كانت ملفوفة ... )) (٣) . ومع هذا الرأي - كما سبق - ابن المسيب وابن سيرين ومالك وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها (فقد روي أنها كانت تقرأ بالمعوذتين في إناء، ثم تأمر أن يصب على المريض) (٤) .

وأما الاتجاه الثاني:

فقد ذهبوا إلى القول بأنه شفاء للقلوب فقط بزوال الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله سبحانه، المقررة لشرعه (٥) ، ومع هذا الاتجاه الحسن والنخعي ومجاهد (٦) وأيدهم من المعاصرين الشيخ شلتوت رحمه الله وقال: (إن القرآن لم ينزل دواء للأمراض البدنية، لأن الله خلق لها عقاقير طبية فيها خاصية الشفاء، وأرشد إلى البحث عنها والتداوي بها، وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن التداوي من الأمراض البدنية إنما يكون من طريق الطب البشري الذي يعرف الدواء، أما القرآن فلم ينزله الله دواء لأمراض الأبدان، وإنما أنزله كما قال دواء لأمراض القلوب، لأنها أمراض معنوية، وشفاؤها بأدوية معنوية، والقرآن قد عالج هذه الأمراض المعنوية وما التداوي في الأمراض البدنية بالقرآن إلا كقراءة البخاري والختمات للنصر على الأعداء في ميدان القتال، وهو وضع للعلاج المعنوي مكان العلاج المادي، وهو قلب لنظام الله تعالى في خلقه، وعروج بالقرآن عما أنزل لأجله) (٧) .


(١) الطب النبوي والعلم الحديث: ٣/١٣٤.
(٢) روح المعاني: ١٥/١٤٥.
(٣) حاشية ابن عابدين: ٥/٢٣٢.
(٤) روح المعاني: ١٥/١٤٥؛ وتفسير البحر المحيط: ٦/٧٤.
(٥) نقل هذا الاتجاه الشوكاني في فتح القدير: ٣/٢٥٣؛ والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ٩/٣١٦؛ وابن الجوزي في زاد المسير: ٥/٧٩؛ وأبو حيان في البحر المحيط: ٦/٧٤.
(٦) روح المعاني: ١٥/١٤٥؛ والبحر المحيط: ٦/٧٤ وهو المفهوم من كلام ابن كثير في تفسيره: ٤/٣٤٢؛ والسيوطي في الدر المنثور: ٤/١٩٩؛ والقرطبي في الجامع: ١٥/١٣٥.
(٧) الفتاوى للشيخ شلتوت: ص٢٠٩، ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>