للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أنكر ما يفعله البعض من كتابة الآيات القرآنية في إناء، ثم تمحى بالماء ثم يؤمر المريض بشربه، أو تعلق حجابًا وقال: إن هذا عبث بالقرآن وبالعقول الضعيفة (١) ، ويمكن أن يستدل لهم بما روى أبو داود من حديث جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال حين سئل عن النشرة: ((هي من عمل الشيطان)) (٢) . وبما روي عن النخعي أنه كان يقول: أخاف أن يصيبه من شرب ما محى به القرآن بلاء.

وبما قاله الحسن من أنه سأل أنسًا عن ذلك، فقال: ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من الشيطان.

وقد تولى ابن عبد البر (٣) الرد على ما استدل به هؤلاء، وقال: (وهذه آثار لينة ولها وجوه محتملة، وقد قيل: إن هذا محمول على ما إذا كانت خارجة عما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعن المداوة المعروفة، والنشرة من جنس الطب فهي غسالة شيء له فضل، فهي كوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، ومن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)) (٤) .

وإن النفس لتميل مع رأي القائلين يكون القرآن شفاء للأمراض الروحانية والجسمانية ولكن نقول كما قال المناوي: (لا يحسن التداوي به إلا الموفقون) (٥) .

والذي يظهر لنا رجحانه هو القول الأول لما ذكرناه من الأدلة، وذلك لأنه لا يلزم من هذا القول سلب كون القرآن كتاب هداية فهو بلا شك كتاب هداية للبشرية جمعاء، ولكنه مع ذلك لا مانع من أن يستشفى به لأمراض البدن.

ولكن ينبغي أن نعلم أن القراءة التي تشفي هي التي تكون مع الإخلاص وفراغ القلب من الأغيار والإقبال على الله تعالى بالكلية وعدم تناول الحرام، وعدم الآثام، فقراءة من هذا حاله مبرىء للأمراض وإن أعيت الأطباء، ولذا قال بعض الأئمة: متى تخلف الشفاء، (فهو إما لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المحل المنفعل أو لمانع قوي يمنع تخلفه أن ينجع فيه الدواء كما تكون في الأدوية الحسية شفاء لما في الصدور: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء: ٨٢] فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية لكن لا يحسن التداوي به إلا الموفقون ولله حكمة في إخفاء سر التداوي به عن نفوس أكثر العالمين كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم ... ) اهـ (٦) .


(١) الفتاوى للشيخ شلتوت: ص٢٠٧، ٢٠٨.
(٢) عون المعبود: ١٠/٣٤٨ وقد تقدم تخريجه بأبين من هذا.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٩/٣١٨.
(٤) رواه مسلم وقد تقدم تخريجه.
(٥) تقدم قول المناوي آنفًا.
(٦) فيض القدير للمناوي: ٤/٥٣٦، ٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>