التداوي بالمحظورات
اختلف الفقهاء في حكم التداوي بالمحرمات على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو القول بعدم جواز التداوي بالمحرمات - المطعوم والمشروب في ذلك سواء وهو قول المالكية (١) والحنابلة (٢) والشافعية (٣) في أحد القولين عندهم وفي وجه عند الحنفية (٤) والزيدية (٥) وهو قول جمهور العلماء (٦) .
واستدلوا لقولهم بأدلة منها ما رواه مسلم عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر يصنعها للدواء؟ فقال: ((إنه ليس بدواء ولكنه داء)) (٧) . وفي الصحيح عن ابن مسعود أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم (٨) . وعن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث (٩) .
وتمسكوا بظاهر هذه الأحاديث في القول بمنع التداوي بالمحرم لعموم النهي ولأن بعضها يدعو إلى بعض حتى أجاب ابن تيمية بالمنع لمن سأله عن التداوي بالخمر عند الضرورة كما أنهم لم يجعلوا المرض من الضرورات التي تبيح المحظورات، كما في تناول المضطر للميتة في المخمصة معللين قولهم بالافتراق بينهما بأن المضطر في حالة المخمصة يتعين الأكل طريقًا لإنقاذ حياته بخلاف حالة المرض فإن هذه المحرمات لا يتعين تناولها طريقًا للشفاء، والحاصل أن الضرورة عندهم لا تتحقق هنا.
القول الثاني: وذهب أصحابه إلى القول بجواز التداوي بالمحرمات وبه قالت الظاهرية (١٠) وبعض الفقهاء (١١) ، وفي الأصح عند الشافعية جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر (١٢) ومجمل تعليلهم أن التداوي يعتبر من حالات الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات واستدلوا بقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (١٣) .
فما اضطر المرء إليه فهو غير محرم عليه، كإباحته صلى الله عليه وسلم للعرنيين أبوال الإبل على سبيل التداوي من المرض وأول ما صح من أدلة خصومةٍ بأن المحرمات في حالى الاضطرار إلى التداوي بها تكون مباحة فلا تكون من الخبائث فلا يصدق عليها اسم الدواء الخبيث المحرم الممنوع التداوي به.
(١) أحكام القرآن لابن العربي: ١/٥٩؛ وحاشية الدسوقي: ٤/٣٥٣.
(٢) زاد المعاد: ٤/١٥٤ - ١٥٨؛ وفتاوى ابن تيمية: ٢٤/٢٧٥؛ والإفصاح لابن هبيرة/ ٢/٢٧٠، وذكر أن أحمد ومالكًا من القائلين بالمنع.
(٣) المجموع: ٩/٤٢.
(٤) المبسوط: ٢٤/٢١.
(٥) البحر الزخار: ٤/٣٥١؛ وشرح الأزهار: ٤/١٠٠.
(٦) نيل الأوطار: ٨/٢١١.
(٧) النووي على مسلم: ١٣/١٥٢؛ ومجمع الزوائد: ٥/٨٦؛ ومعالم السنن: ٤/٢٢.
(٨) نيل الأوطار: ٨/٢١١.
(٩) نيل الأوطار: ٨/٢١١؛ ومعالم السنن: ٤/٢٢١.
(١٠) المحلى: ١١/٣٧٢، ١/١٧٠، ١/١٢٤.
(١١) معالم السنن: ٤/٢٢٣؛ والفقه الإسلامي للزحيلي: ٣/٥٢٣.
(١٢) نيل الأوطار: ٨/٢١١.
(١٣) سورة الأنعام: الآية ١١٩.