ثم قال: والدليل عليه ما رواه ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: ادع الله أن يشفيني. فقال:((إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت صبرت فلك الجنة، فقالت: يا رسول الله أصبر)) [أخرجه البخاري ومسلم] . وقال صلى الله عليه وسلم ((سبعون ألفًا يدخلون الجنة لا حساب عليهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)) ، وفي رواية:((هم الذين لا يتطببون ولا يسترقون)) [أخرجه البخاري] .
قال الذهبي: ونقل علاء الدين بن البيطار - رحمه الله -: أجمع المسلمون أن التداوي لا يجب.. وعن أحمد وجه في الوجوب نقله أحمد ابن تيمية. ويحمل الحديث ((تداووا)) على الإباحة، وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قيل له: ألا ندعو لك طبيبًا؟ قال: قد رآني، قالوا فما قال؟ قال: إني فعال لما أريد، وقيل لأبي الدرداء: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي، قيل: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قيل: أفلا ندعو لك طبيبًا؟ قال: الطبيب بطبه ودوائه لا يستطيع دفع مقدوراتي، قال الإمام الذهبي معلقًا على ذلك: التوكل اعتماد القلب على الله وذلك لا ينافي الأسباب ولا التسبب بل التسبب ملازم للتوكل فإن المعالج الحاذق يعمل ما ينبغي ثم يتوكل على الله في نجاحه، وكذلك الفلَّاح يحرث ويبذر ثم يتوكل على الله في نمائه ونزول الغيث. قال الله تعالى:{وَخُذُوا حِذْرَكُمْ}[النساء: ١٠٢] ، وقال عليه الصلاة والسلام:((اعقلها وتوكل)) ، وقال صلى الله عليه وسلم:((أغلقوا الأبواب)) وقد اختفى الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثًا، ثم قد تكون العلة مزمنة ودواؤها موهومًا قد ينفع وقد لا ينفع. انتهى كلام الإمام الذهبي. وقد أجيب أن ما فعله أبو بكر الصديق وأبو الدراء - رضي الله عنهما - كان في مرض الموت وقد علما أن الطب لا يغني في ذلك شيئًا.