كما أسلفنا يجوز للمريض أن يرفض التداوي - بالنسبة لأوضاع القوانين فأنا لا أتحدث من الناحية الفقهية لأن الأمر إليكم - يجوز للمريض أن يرفض التداوي وخاصة في الحالات التي لا يستطيع الطب فيها أن يفعل الكثير، وفي بعض الحالات يطيل الطب أمد المعاناة كما أنه قد يطيل عملية الموت والنزع، وقد أسلفنا القول في أن الأمة قد أجمعت على جواز ترك التداوي للأحاديث الوادرة في الباب، وخاصة إذا كان هذا المرض لا يتعدى إلى الآخرين، والأمل في شفائه محدود أو منعدم أو أن فائدة التداوي مظنونة موهوبة لا متيقنة ولا راجحة، وفي هذه الحالات يحق للمريض أن يرفض التداوي متى كان عاقلًا بالغًا راشدًا.
ولكن هل يحق لولي أمر ناقص الأهلية مثل الطفل أو المجنون أو المغمى عليه أن يقرر نيابة عن المريض ترك التداوي؟
وهل يحق للأطباء في المستشفيات وغيرها أن يقرروا أن هذه الحالة ميؤوس منها وأن الطب بوضعه الحالي لا يستطيع أن يقدم شيئًا وبالتالي يتوقف الأطباء عن محاولاتهم؟ وعلى سبيل المثال هناك طفل مصاب بعاهات شديدة وموه الدماغ - أي باستسقاء كبير جدًّا في دماغه - ومصاب بأنواع من الشلل ولا أمل في إجراء العملية لأن الدماغ قد ضمر، فهل تجري لمثل هذا الطفل العملية؟ وهل إذا أصيب هذا الطفل بالتهاب رئوي حاد يبادر إلى علاجه؟ ومعلوم أن الالتهاب الرئوي يمكن مداواته ولكن حالة المريض الخطيرة لا يمكن مداواتها، فهل يترك المريض دون علاج حتى يتخلص مما هو فيه؟ وهل إذا أذن الولي في مثل ذلك الإجراء وهو ترك التداوي من الالتهاب الرئوي أو التهاب المجاري البولية أو أي نوع من الحميات أو الإسهال، وكلها يمكن مدواتها يعتبر ذلك نوعًا من القتل؟
وهناك الشيخ الهرم المصاب بأنواع من الشلل وجلطة في القلب وفشل في وظائف الكلى فهل يدخل في برنامج الغسيل الكلوي وعدد الآلات محدود ويحتاج لها من هم في مقتبل العمر من الذين يعانون من الفشل الكلوي؟ وهل إذا أصيب مثل هذا الشخص بتوقف مفاجئ لضربات قلبه يبادر إلى إسعافه أم يترك مثل هذا الشخص ليستريح من هذه المعاناة؟ وهل إذا أصيب بالتهاب رئوي أو التهاب في المجاري البولية أو التهاب في الزائدة يبادر إلى مداواته طبيًّا وجراحيًّا حسبما تستدعي الحالة أم يترك دون تدخل؟