في الواقع ليس هناك إنسان يرفض العافية، والإنسان إذا أصيب بنوع من الألم أو بنوع من المرض يريد الشفاء ويريد العافية ولكن المسألة في ثقة هذا الإنسان فيمن يتوجه إليه بطلب الدواء أو بطلب العافية، وفي هذه الحالة الإسلام جعل أمامنا تقدير الخبرة وتقدير العلم، والإنسان العادي لا يستطيع أن يقول بكلمة صواب في أمر العلاج، وإنما يقول ذلك الخبراء والأطباء المتخصصون، ولذلك فإن الثقة في الإنسان الطبيب هي التي ينبغي أن تكون محل العناية والتقدير، فنترك للمريض الفرصة في أن نجعل أمامه هذه الثقة في الخبراء المتخصصين، ولا بأس أن يعرض الأمر على أكثر من خبير متخصص في هذا الأمر الطبي، فإذا أجمع الخبراء المتخصصون في الطب، فلا مجال للتوقف عن العلاج لطلب إذن المريض أو إذن وليه، وإنما يصبح الواجب دفع الضرر، ودفع الضرر لا يقدره المريض وإنما يقدره الطبيب المختص الذي تتحقق فيه هذه الثقة.
أما مسألة القطع باليأس فأنا أضيف صوتي إلى صوت الأستاذ الكريم الذي ينبه الأطباء لخطورة هذه المسألة النفسية، الإنسان لا يقطع الأمل إلى آخر لحظة، والقرآن الكريم لما ضرب لنا المثل بأيوب - عليه السلام - وأنه وصل إلى حالة يمكن أن يقال فيها: إنها حالة ميؤوس منها، لم ييأس من رحمة الله، وعقب القرآن الكريم أن ما حدث لأيوب من هذا الإعجاز يمكن أن يحدث لكل عبد صالح، قال تعالى في سورة الأنبياء: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} . [الأنبياء:٨٣،٨٤]
فالأمل يظل مصاحبًا للإنسان إلى آخر لحظة، ولذلك فإن الأطباء لا نستطيع أن نقول لهم أوقفوا العلاج، وإنما من العلاج أيضًا عدم إعطاء الدواء إذا كان غير مفيد، فهم يفعلون ذلك بحكم الخبرة، يقدمون الدواء المناسب، ويتوقفون في الوقت المناسب، دون الدخول في تفصيل لا يفهمه المريض، ولا يفهمه أهل المريض، وإنما يقدمون ما تمليه الخبرة وما يمليه الموقف الذي لا يقدره إلا هم في هذه الحالة.
النقطة الأخيرة في مسألة التبرع بالأعضاء: مسألة التبرع بالأعضاء اتسع القول فيها الآن إلى درجة قد تخيف كثيرًا من الناس، وأن الإنسان إذا دخل إلى المستشفى في حالة حادث عارض، أو في حالة يقال فيها إنه أصيب بموت الدماغ، فإنه يخشى على نفسه أن يؤخذ منه، أو أن يسلك بعض الناس سبيل الإتجار بالأعضاء، وأن يشتهر في حياة الناس البنوك التي تبيع الأعضاء، وبدلًا من أن يباع الإنسان كما كان يباع رقيقًا يباع في صورة مقطعة بدلًا من الجملة، ولذلك أنا أحب أن يصدر التوجيه في أن تهتم الأمة - وقد عنينا بعقد الاستصناع بالأمس - أن تهتم الأمة أيضًا في توجيه أبنائها إلى الكشف والتصنيع للآلات والأدوات حتى نصل في وقت من الأوقات إلى التغطية التي نطمح إليها وتغنينا عن الأخذ لأعضاء الإنسان الذي يتعرض لحادث أو غيره. هذا ما أحببت أن أذكره وشكرًا.