الدكتور أثار قضية في رأيي أنها لم تحسم في مسألة ترك علاج من كانت هذه حاله، وعقب على ذلك الدكتور الصقال، والحقيقة أنني أثني على ما ذكره الدكتور الصقال وما عقب عليه وأيده أيضًا كلام الشيخ رأفت، لأن هذه المسألة تتعلق بمقاصد الشريعة في الحفاظ على الأنفس من ناحية، ومن جانب آخر - أيضًا - لها علاقة بالجوانب الخلقية وبالجوانب التي اهتمت بها الشريعة من تكريم بني آدم كما ذكر الله - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} ، [الإسراء: ٧٠] فإن من يطبق هذه الأمور، ومن ينظر في مسألة علاج الميؤوس منه من عدمه كما أشير إلى ذلك، وأن بعض الجهات تشكل لجنة للنظر في هذه الأمور، وبعض الجهات تتركها مفتوحة، هذه مسألة خطيرة في نظري، وأرى أن المجمع لا ينبغي أن يقول بحال من الأحوال بجواز هذه المسألة، ولا أن يجعلها محلًّا قابلًا للنظر، لأن من يطبقون هذه المسائل مختلفون، فيهم المتشدد وفيهم المتساهل، وفيهم صاحب الدين والخلق، وفيهم العاري من ذلك، والعياذ بالله، وفيهم المهتم وفيهم المتساهل، فإذا تركنا هذا الباب مفتوحًا على مصراعيه أفسدنا كثيرًا، وسنجد أن هناك حالات كثيرة يمكن أن تعالج، نجد أنها لسبب أو لآخر أو لأدنى ملابسة يترك علاجها، ونجد أيضًا في بعض الأحيان أن بني آدم يمتهنون لأقل الأسباب، قد يرى الممرض الذي ينقذ العلاج مثلًا أنه متعب أو منهك وأن هذا المريض الذي يقيم في المستشفى - مثلًا - قد أزعجهم وآذاهم وأنهم دائمًا في كل يوم يسهرون على راحته ويسهرون على علاجه، فقد يصل إلى ملل بسبب هذه الحال، وفيما لو فتحنا الباب فيترك علاجه، ومع اتساع مجال العلاج الطبي وكثرة المرضى وكثرة الطباء وكثرة الصيادلة وكثرة الممرضين، أخشى أننا نقع في مفسدة كبيرة، فلذلك نلتزم القول بعدم جواز ترك العلاج في مثل هذه الحالة حتى ينتهي هذا المريض إلى الموت الكلي الذي يعرفه الناس، وهو مفارقة الحياة ولهذا علامات ظاهرة، فأرجو أن نهتم بهذه القضية وألا نفتح الباب، ودرء المفاسد في الشريعة - كما يقولون - مقدم على جلب المصالح، وهذه قاعدة كلية. وقد جاء أيضًا في الحديث أن حرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًا وكسر عظمه ميتًا ككسر عظمه حيًا، فلذلك لا ينبغي بحال من الأحوال أن نتساهل في مسألة علاج الميؤوس منه. هذه جوانب - ظاهرة عامة - لكن أريد - أيضًا - أن أضيف إليها ما أشار إليه كثير من الإخوة من أن الشفاء بيد الله - سبحانه وتعالى - وكثيرًا ما انتقلت حالات ميؤوس من علاجها إلى مرحلة الأمل، وخرج كثير من الناس من المراحل الحرجة الخطرة في العلاج بعد اليأس المطبق إلى مرحلة الأمل المشرق، وخرجوا من المستشفيات ونحن نعلم حوادث كثيرة في هذا، فلذلك لا ينبغي بحال من الأحوال فتح هذا الباب ولو لم نفتح الباب ولو لم نحصل من سده إلا على منع الفساد ودرئه، لكان هذا سببًا قويًّا يقتضي أن نقفل هذا الباب حتى لا يعم الفساد. وصلى الله على نبينا محمد.